للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دفع إشكال في حَديث نبوي

«سألتُ ربي أن لا يُسلط على أمتي عدوٍّ من سوَى أنفسهم»:

سألني أحد أبنائي الأفاضل من شيوخ العلم بجامع الزيتونة عن تأويل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «سألتُ ربي أن لا يُسلط على أمتي عدوٍّ من سوَى أنفسهم».

هل هو حديث صحيح أو لا؟ وكيف إذا ظهر صحيحًا يستقيم معناه، فإنا نرى ونسمع أن المسلمين قد تسلط عليهم غير مرة أعداء من غيرهم مثل ما حل بالمسلمين في بلاد الأندلس؟ وهل يستقيم أن نؤوله بأن العدو ما سلط على الأمة في كل مرة إلا بمعونة خيانة من المسلمين أنفسهم وخذلان بعضهم بعضًا فيكون ذلك التسليط في المعنى من أنفس المسلمين.

فأجبته حين السؤال بما حضرني بما يدفع الإشكال؛ وذلك بعض ما يشتمل عليه هذا المقال، ثم بدا لي أن أزيده بيانًا وتحقيقًا؛ ليكون فهم هذا الحديث فهمًا وثيقًا.

سند هذا الحديث هو حديث صحيح رواه مسلم وغيره واللفظ الصحيح ما في مسلم عن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله زَوَى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأعطيت -وفي رواية وأعطاني- الكنزين الأحمر والأبيض- يعني الذهب والفضة، وقيل أراد الشام والعراق -وإني سألت ربي لأمتي أن لا يملكها بسنة عامة وأن لا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم بأقطارها- أو قال: من بين أقطارها -حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا ويسبي بعضهم بعضًا» رواه أبو داود والترمذي وأحمد بن حنبل وابن ماجه وابن حبان عن ثوبان بأطول من هذا يزيد بعضهم على بعض، وهذا الحديث مع إشكاله لم يتناوله شراح الحديث: عياض والنووي والأبي من شراح مسلم وابن العربي في شرح الترمذي والخطابي في شرح كتاب أبي داود بما يستحقه من البيان بل تراهم أعرضوا عن بيان المراد منه، وموافقته لما ظهر من الحوادث وقصدنا الاقتصار على محل الإشكال من رواية مسلم.

<<  <   >  >>