للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون ما أراه في هذا الشأن راجحًا في كفه البيان، فليس الحق بمحتكر، ولا شرب الصواب بمحتضر، والحكم في الترجيح لمحك النظر.

[التحقيق في صفات المجدد وصنفه وعدده]

لقد صرح الكلام النبوي أن هذا المجدد يبعثه الله ويلهمه لتجديد أمر الدين للأمة، فوجب أن يكون هذا المجدد قائمًا بعمل مثمر تجديدًا في الدين، وقد أبنت فيما مضى معنى التجديد، فيتعين أن تكون لهذا المجدد الصفات التي تؤهله لرتق ما فتق من أمر الدين في زمنه، فإذا كان الفتق قد طرأ على ناحية من نواحي علم الدين تعين أن يكون المجدد في تلك الناحية عالمًا يؤهله علمه لإدراك الحق في الغرض المقصود، وإن كان الفتق قد طرأ على الدين من ناحية وهن نفوذه ووقوف انتشاره تعين أن يكون المحدد في ذلك قادرًا على حماية البيضة، ونصر الشريعة، أي: نصر الحق من الدين؛ لئلا يدخل في المجددين من قام بنصر نحلة اعتقادية يعتقد أنها الدين وهو فيها زائغ، مثل أبي يزيد النكاري راكب الحمار، ومثل أبي عبد الله الشيعي داعية المهدي العبيدي أو لإعلان فتنة وانقلاب دولة تحت اسم الدين مثل مهدي الصومال والتعايشي.

وبذلك لا يمنع أن يكون المجدد من بعض القرون من الملوك وليس يلزم التزام كونه من صف العلماء، فإن الشيخ البرزلي في كتاب الأقضية من كتابه المسمى «الحاوي» عد أبا فارس عبد العزيز الحفصي سلطان تونس مجدد القرن التاسع فدل على أنه لا يلتزم كون المجدد من أئمة العلم، وأنا لا أوافقه على عد أبي فارس في صف المجددين ولا على اعتبار القرن التاسع من مبدأ سنة إحدى وثمانمائة، ولكن أردت الاستدلال برأيه على عدم التزام كون المجدد من صف العلماء.

ويجب أن يكون المجدد في هذا المقام عالمًا بالشريعة، وأن يكون مسترشدًا بالعلماء ليصادف الحق الذي يتطلبه الشرع.

وإذا كان الفتق الذي اعترى الدين من ناحيتين فصاعدًا تعين أن يكون المجدد كفئًا للنهوض بما يتطلبه التجديد في ذلك، مثل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في موقف ارتداد العرب.

ثم إن الأظهر أن يكون هذا المجدد واحدًا؛ لأن اضطلاعه بالتجديد وهو واحد يكون أوقع؛ لذا يكون عمله متحدًا، ويكون أنفذ إذ يسلم من تعارق الاختلاف

<<  <   >  >>