«عرف القرَّاء مما قد أشرنا إليه في أعداد ماضية بخصوص الكتاب المذكور أن فضيلة الأستاذ الأكبر كان قد راجع مؤلفه وأباه له وجوه الضعف في هذا الكتاب، وقلنا: إننا سوف ننشر تلك المراجعة الآن وقد وافانا البريد بها فننشرها شاكرين».
طالعت كتابكم «فتح الملك العلي» فرأيت أنكم نحوتم فيه نحو تلقي حديث: «أنا مدينة العلم» بالقبول، ولا بدع في ذلك فقد سبقكم إلى ذلك كثير من المحدثين كما أن كثيراً منهم نبذوه بالعراء، وكثيراً رموه بأنه وضع وافتراء.
وتبين من حاصل أقوالهم فيه أن منكريه لم يقتصروا على الطعن في رجال أسانيده بل تجاوزوا ذلك إلى الحكم على ذات الحديث، فقالوا فيه أقوالاً شديدة مثل:«موضوع، منكر، لا أصل له، كذب، كم خلق افتضحوا فيه، لم يروه عن أبي معاوية أحد من الثقات»، ومثل هذا الحكم لا يصدر عن أصحابه من الحفاظ إلا بعد التقصي والاستقرار لجميع أسانيده فإذا لم يجدوا فيها مظنة الصحة استخلصوا من استقرائهم حكماً كليّاً يتعلق بذات الحديث المروي، وليس حكماً جزئيّاً متعلقاً بأسانيده، وهذا مقام شديد في الحكم، ونظيره قول الإمام أبي عبد الله البخاري في باب من أهدى له هدية وعنده جلساؤه:«ويذكر عن ابن عباس أن جلساءه شركاؤه ولم يصح»، أي: لم يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعين البخاري سنداً؛ بل جزم بعدم صحة المروي ولأجل حكمهم على ذات حديث:«أنا مدينة العلم» بالوضع صار هذا الحديث سبب الطعن في أبي الصلت حتى إنك لتجد في كلام بعضهم الاعتراض على من عدل أبا الصلت بقوله: (أليس قد روى حديث: أنا مدينة العلم) كما ذكره الحاكم في المستدرك عن العباس بن محمد الدوري عن صالح بن حبيب.
ثم إن جماعة تظاهروا على أن أبا الصلت وضع هذا الحديث عن أبي معاوية