مال لكان أميناً إلا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن»، وروى ابن وهب عنه أنه قال:«أدركت بهذه البلدة أقواماً لو استسقى بهم القطر لسقوا قد سمعوا الحديث كثيراً ما حدثت عن أحد منهم شيئاً، لأنهم كانوا ألزموا أنفسهم خوف الله والزهد» وهذا الشأن (يعني الحديث) يحتاج إلى رجل معه تُقَى وورع وإتقان وفَهْم وعلم، فيعلم ما يخرج من رأسه وما يصل إليه غداً، وقال يحيى بن سعيد القطان فيما روى عنه مسلم: «لم نر أهل الخير في شيء أكذب منهم في الحديث (يريد أنهم يكذبون عن توهم وغلط واختلاط في المسموعات وحسن الظن بالرواة)، وقال عبد الله بن المبارك في شأن عَباد بن كثير:«كنت إذا ذكر في مجلس أثنين عليه في دينه وأقول: لا تأخذوا عنه» فإذا سلمنا أن أبا الصلت كان على جانب من التفوق والزهد فلسنا بالذين نسلم أن ذلك كافٍ في قبول حديثه.
الطريق الثالث: الاحتجاج بتوثيق من وثق أبا الصلت مثل الحاكم في المستدرك ومثل ما نقل عن يحيى بن معين، وأنا آخذ في هذا بقاعدة تقديم الجرح على التعديل إلا إذا كان المجرِّح شاذّاً جدّاً وكان متحاملاً، لا سيما وكثير من الذين جرحوا أبا الصلت طعنوه طعناً عميقاً، كما ذكره الخطيب البغدادي في ترجمته، وكما ذكره أئمة الحديث عن أحمد بن حنبل والدارقطني وابن عدي في شأنه.
وقد ثبت أن أبا الصلت كان يروي أحاديث في مثالب ملصقة بمن تثلبهم الشيعة من الصحابة مثل أبي موسى الأشعري ومعاوية? وذلك يدل على خبث تشيعه ورقة ديانته بدخول الفضول بين خيرة الأمة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن الطعن في الصحابة إطلال من كوى الإلحاد في الدين ورفع الثقة بنقلة الدين إلينا، فكيف تطمئن النفس للرواية عن مثله ولا ينفعه مع هذه النزعة زهده وتقاه، وفي الحديث وصف رسول الله قوماً، فقال:«تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم يمرق أحدهم من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، وفي الحديث:«التقوى هاهنا» ويشير إلى صدره ثلاث مرات.
وقد جزم أحمد بن حنبل وابن عدي بأن أبا الصلت هو واضع حديث:(أنا مدينة العلم)، وناسبه لأبي معاوية، أما ما ينقل عن يحيى بن معين في شأن أبي الصلت، فكلامه فيه متناقض كما ذكره الخطيب في التاريخ فلا يعول على شيء من كلامه.
وهاهنا ملاحظة تتعلق بهذا الطريق وهي أنكم ذكرتم في صفحة (٨) عن