وأما الآية فلا يصح فيها إرادة المعنى الأصلي لما هو معلوم لكل مؤمن من استحالة جلوس الرحمن على العرش فلا يصح التكني به عن معنى الملك المقصود من الآية. ولا يغني عن ذلك قول صاحب الكشاف:«وإن كان لم يقعد على السرير ألبتة»؛ لأن الذي نظر به تجوز فيه إرادة المعنى الأصلي والآية لا يجوز فيها ذلك، فكيف يصح في الآية الانتقال من المعنى الأصلي إلى المعنى الكنائي مع أن المنتقل منه لا يستقر فيه الذهن فضلًا على أن ينتقل منه، فلزم سلوك طريقة الاستعارة التمثيلية، ونظير الآية قول أبي تمام:
من شاعر وقف الكلام ببابه ... وَاكتنَّ في كنفي ذراه المنطق
فقوله: وقف الكلام ببابه، ليس كناية عن ملازمة صنعة الكلام لهذا الشاعر، بل هو تمثيل لتسخير الكلام حتى صارت هيئة مقدرته على الكلام الذي يريده تشبه هيئة تسخير عبد واقف ببابه لخدمته يتوجه أينما وجهه، أو هيئة عاف واقف ببابه لطلب معروفه، وكذلك قوله: واكتن في كنفي ذراه المنطق، لظهور أن الشاعر لم يثبت لنفسه ذرى يسكنها المنطق، بخلاف بيت زياد الأعجم فإن المروءة والسماحة والندى مشتمل عليها ابن الحشرج فتكون قبة ابن الحشرج مشتملة على السماحة والمروءة والندى لاشتمالها على الموصوف بها.
الوجه الثاني: بقاء لفظ الاستواء ولفظ العرش لمعنييهما الحقيقيين؛ لأن المركب في الاستعارة التمثيلية ليس فيها إطلاق مفرداته على غير ما وضعت له بل مفرداته باقية في معانيها، وإنما الاستعارة في مجموع المركب. وهذا الوجه أحسن تأويلًا، وأقوم قيلًا، وأوضح حجةً ودليلًا.