جميعهم حملوا الآية على الضرورة والحاجة (ولو كانا عورة لما حرم سترهما ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إبراز الكف للأخذ والإعطاء فلم يجعل ذلك عورة) فبدون حاجة لا يبرز، وسبق معنا أن قولهم ليس بعورة لا يؤثر في أنهم يحرمون كشفه بدون سبب، بل إن من أسباب اعتراضهم على قول من قال الوجه والكفان عورة أنهم خشوا أن يؤدي ذلك ويفهم منه عدم جواز كشفهما عند الحاجة والضرورة التي أجمع عليها أهل العلم كما عند البيع والشراء والخاطب، وأيضا رأوا عدم مناسبة ذلك لعدة اعتبارات منها أنه ينكشف في الصلاة ولا يؤدي كشفهما لبطلانها.
وقوله:(وهذا الابتلاء كما هو متحقق في باطن الكف متحقق في ظاهره) فهو يرد على الخلاف في نفس مذهب الأحناف حيث ذهب فريق منهم إلى أن ظاهر الكف عورة لا يجوز إظهاره عند الأجنبي لأنهم رأوا أن الضرورة هي في كشف باطن الكف فقط لأنه للأخذ والإعطاء فتخفي ظاهر الكف عن الأجنبي لأنه لا ضرورة لكشفه، وهنا تعلم لِما قالوا أن الوجه والكفين ليسا من العورة، وأنه تقعيد لبيان الجواز والإباحة عند الضرورة فقط وإلا فهم يحرمون كشفه للفتنة والشهوة، كما حرموا ظاهر الكف لعدم الضرورة بكشفه، ثم بالله عليكم كم من البون الشاسع بين هؤلاء ودعاة السفور اليوم المنتسبين لهم ظاهراً والمخالفين لهم ظاهراً وباطناً، وهم يجوزون كشف وجه المرأة وكفيها بحجة الجواز وليس للضرورة، ولا يهتمون لظاهر ولا لباطن ولا لقفازين ولا ... .