وكذلك في فريضة الحجاب فإن الأئمة الأربعة وتلاميذهم وأتباعهم المتقدمين، عليهم رضوان الله تعالى، متفقون من المراد في أصل حكم فريضة الحجاب، وأنها الأمر بستر النساء لوجوههن كما دلت عليه النصوص الصريحة والنقول المتواترة عن السلف ومن بعدهم، فإنهم وإن اختلفوا في بعض الجزئيات الخاصة بفريضة الحجاب وهي هل الوجه والكفان من العورة أم لا؟ فالحقيقة أن اختلافهم هذا هو من قبيل اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، حيث نظر كل واحد منهم في العلة والمقصد للشارع من أمره للنساء بتغطية وجوههن، وتحريم كشفهن لزينتهن، فذهب فريق إلى أن العلة في ذلك هو كون المرأة عورة، ومن قائل أن العلة في ذلك هي الفتنة والشهوة، وزاد الخلاف بينهم أن منهم من رأوا عدم مناسبة إطلاق القول بلفظ (العورة) على الوجه والكفين فقالوا إن الوجه والكفين ليسا بعورة، لعدة اعتبارات عندهم سنأتي لذكرها قريباً، ولكن هم متفقون في حكم فرض ستر النساء لوجوههن بدون أدنى شك ولا ريب، وإن كان لكل فريق اجتهاده وتأصيله واستنباطه في المسألة.
والذي يهمنا هنا هو أن نطرح حجة الفريقين في كون الوجه والكفين عورة أم لا؟ لنعرف ما نحن بصدده وهو هل اختلافهم من قبيل اختلاف التنوع كما نقوله نحن أم أنه من خلاف التضاد، كما يدعيه البعض اليوم؟ بمعنى هل اختلافهم في هذه الجزئية، له أثر يمنع من عدم اتفاقهم على القول بفرض ستر النساء لوجوههن؟ .