فبدأ الله التمهيد لمسائل الحجاب بهن، وكأنه لما أكرمهن بهذا اللقب الرفيع كان ذلك لحكم عديدة بالغة منها: أن كل ما أمرت به الأمهات مع أبنائهن من الرجال فغيرهن من النساء مع الرجال الأجانب أولى وأحرى وأوجب، ثم بعد هذا التشريف وهن الأمهات حثهن على لزوم طاعة الله ورسوله وخيرهن باختبار كبير إن كنَّ يردن الله ورسوله والدار الآخرة أو يردن الدنيا وزينتها، ثم حذرهن من مواطن الريبة والفتنة والفواحش، وأن يكنَّ قدوات لغيرهن من المؤمنات في الخيرات بل من العجب أن بدأ بهن في خطاباته الأولى وهن الطاهرات العفيفات زوجات خير الأنبياء أمهات المؤمنين اللاتي الفتنة منهن وإليهن أبعد عمن سواهن من النساء، وما ذلك إلا ليحرض المؤمنين والمؤمنات على الاقتداء بهن والسير على نهجهن، وقد أمرهن بأبسط الأمور وأدقها، مع جلالة قدرهن وسمو مكانتهن، فنهين عن الخضوع بالقول، وأمرن بالقرار في بيوتهن وعدم الخروج إلا لحاجة ونهين عن تبرج الجاهلية الأولى وأمرن بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وتبليغ ما أنزل في بيوتهن من آيات الله والحكمة، وهذا أعظم محفز لغيرهن من النساء أن يشددن الهمة على الامتثال لفريضة الحجاب ونبذ التغريب والمغريات الدنيوية والتبرج والسفور.
(١) لباب النقول في أسباب النزول للإمام السيوطي (١/ ١٦٢).