وأما هم فما مثلهم إلا كمثل أخوين دُعيا إلى وليمة نكاح، فقال أحدهما للآخر: من أي طريق ستسلك؟ فقال: من طريق كذا، فلم يعجب أخاه ذلك وقال: إن الأفضل سلوك طريق كذا لأن الأول طويل ومزدحم ويلزم من سلوكه إشكالات، فخرجا هذا في طريق وهذا في طريق، فرأى ذلك شخص وقال: لا بد أن أحدهما لن يذهب لدعوة الوليمة، فإذا قيل له: وكيف عرفت ذلك؟ قال: ألا ترى لسلوك كل واحد منهما طريقا مختلفا عن الآخر، فاستنتج ثم قال: وأغلب ظني أن من سلك الطريق الفلاني هو من يرغب حضور الوليمة، ثم ذهب وأخبر والد الأخوين والناس أن فلأنا لن يحضر الوليمة فشاع في الناس ذلك الظن، وعلى أن خلافا حقيقيا حصل بينهما، والحقيقة أنهما مجتمعان في مجلس الوليمة يتحادثان، والدليل هذه النصوص التي بين أيدينا عنهم وكأنها تخرج من مشكاة واحدة.
وهنا ظن البعض وبكل بساطة أن الاختلاف بينهم في العلة هو اختلاف تضاد في أصل المسألة، وأن من قال أن المرأة عورة فأولئك الموجبون لتغطية المرأة لوجهها، ومن قالوا أن وجهها وكفيها ليس بعورة فأولئك المجوزون لها كشف وجهها {وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا}[النجم: ٢٨] وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)(١).