وقال الإمام الرازي:(فقال: {لَسْتُنَّ كَأحد}[الأحزاب: ٣٢] ومعنى قول القائل ليس فلأن كآحاد الناس، يعني ليس فيه مجرد كونه إنساناً، بل وصف أخص موجود فيه، وهو كونه عالماً أو عاملاً أو نسيباً أو حسيباً، فإن الوصف الأخص إذا وجد لا يبقى التعريف بالأعم، فإن من عرف رجلاً ولم يعرف منه غير كونه رجلاً يقول رأيت رجلاً فإن عرف علمه يقول رأيت زيداً أو عمراً، فكذلك قوله تعالى:{لَسْتُنَّ كَأحد مّنَ النّسَاء} يعني فيكن غير ذلك أمر لا يوجد في غيركن وهو كونكن أمهات جميع المؤمنين وزوجات خير المرسلين، وكما أن محمداً عليه السلام ليس كأحد من الرجال، كما قال عليه السلام:«لست كأحدكم» كذلك قرائبه اللاتي يشرفن به وبين الزوجين نوع من الكفاءة)(١) انتهى.
وقال الإمام القرطبي ({إن اتَّقَيْتُنَّ} أي خفتن الله. فبيّن أن الفضيلة إنما تتم لهن بشرط التقوى؛ لما منحهن الله من صحبة الرسول وعظيم المحل منه، ونزول القرآن في حقهن) انتهى.
ولهذا فبعد هذا التشريف جاء التمهيد للجميع وبدأ بهن وهن من هن، أمهات المؤمنين وزوجات خير المرسلين وذلك بالتحذير لهن من الإخلال بكل ما يزعزع هذه المكانة السامية، حيث جاءت آيات بعد تشريفهن وقبل نزول الحجاب تنهي أمهات المؤمنين فضلا عن غيرهن عن الخضوع بالقول حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض، وأمرن أن يقلن للرجال قولا معروفاً مختصراً لا توسع فيه ولا تبسط أي لا كما
(١) تفسير مفاتيح الغيب، التفسير الكبير للرازي (ت: ٦٠٦ هـ).