هنا أنه كان بعد ما ضرب الحجاب وتقدم في الوضوء أنه كان قبل الحجاب، فالجواب لعله وقع مرتين، قلت بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي حتى صرح بقوله له - صلى الله عليه وسلم -، احجب نساءك وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلا ولو كن مستترات فبالغ في ذلك فمنع منه وأذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعا للمشقة ورفعا للحرج) (١) انتهى.
وبهذا تطابق الأمر بالحجاب من أعين الرجال داخل البيوت وخارجها ولم يكن الحجاب لا في البيوت ولا خارجها خاصاً بزوجات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون غيرهن من النساء، وهذا مع أنه لم يقل به أحد من المتقدمين بتاتا، فهو أيضا ظاهر كالشمس من أكثر من وجه سبق بعضها، وأيضا في الحديث المتأخر لعائشة لمن تأمله فيه دلالة على عدم اختصاصهن بستر الوجه لقول عائشة في وصف سودة رضي الله عنهما:(وكانت امرأة جسيمة تفرع النساء جسما لا تخفى على من يعرفها) وقول عمر: (يا سودة أما والله ما تخفين علينا) ولو كان ستر الوجه خاص بهن لعرفهن بذلك، بل وعلى هذا إجماع أهل العلم والتفسير قاطبة ولم يشذ منهم أحد، وهو تعظيم زوجات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كونهن أمهات للمؤمنين مع وجوب الحجاب عليهن وتحريم النظر إليهن كبقية النساء الأجنبيات لا فرق بينهن في ذلك، وإنما الخصوصية التي لهن لا تعنى عند أحد من السلف خلاف الإجماع الذي ذكروه، وإنما تعنى عندهم ما سنأتي لبيانه بالتفصيل آنفاً.
(١) فتح الباري (٨/ ٥٣١). ومثله في عمدة القاري (١٩/ ١٢٤).