وهذا ما فهمه ابن بطال فأراد أن يميز حجاب أمهات المؤمنين عن حجاب غيرهن من النساء عند الحاجة والرخصة.
فكيف لو علمت أيضا أن ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري من كتاب الحج وعند "باب وجوب الحج وفضله" قال عن نفس الحديث كلاما بتمامه يبين مقصده: (وفى نظر الفضل إلى المرأة مغالبة طباع البشر لابن آدم وضعفه عما ركب فيه من شهوات النساء، وفيه أن على العالم أن يغير من المنكر ما يمكنه إذا رآه) انتهى.
وقوله:(أن يغير من المنكر ما يمكنه إذا رآه) دل أنه لم يفهم من الحديث جواز السفور للنساء دوما، وأنه في حالة الجواز والرخصة يُشترط الحاجة، ومتى ما كان النظر بلا حاجة لم يجز، أو كان لحاجة ولكن صادف خشية الوقوع في الفتنة أو الشهوة مُنع منه، وهذا ما كان من الفضل رضي الله عنه حيث نظر للمرأة وهي تعرض نفسها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس له هو، فلما شعر به عليه الصلاة والسلام، صرف وجهه عنها، وإلا لو كانت وجوه النساء مكشوفة وما يعرف من طبيعة البشر وميلهم للنساء حتى كاد أن يقع بسببها نبي من أنبياء الله في الفاحشة {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ {٢٤}[يوسف]، أو هذا الصحابي الجليل وهو ملاصق لأفضل رسل الله عليهم أفضل الصلاة والسلام، فكيف يُعقل أن ابن بطال قصد الكشف بدون حاجة، ثم طالب بالإنكار وهو يَعرِفُ:(مغالبة طباع البشر لابن آدم وضعفه عما ركب فيه من شهوات النساء) هذا تناقض ولما أمكنهم إنكاره على عموم الناس.