رابعاً- لما كان قولهم أن الصفتين مختلفتان اختلاف تضاد استلزم من ذلك أن ينفوا أن التقنع الوارد في الصفة الثانية بمعنى ستر الوجه، وفعلا هذا ما قالوه فكان أشنع وأخطر وأظهر في بطلانه مما قبله فكان أن حرّفوا وبدّلوا اللغة، وأنكروا أن يأتي التقنع ستراً للوجه، وهذا من تسرعهم، أو عدم بحثهم في معاجم اللغة، فما أن يجدوا كلمة لها استعمال واسع وتعني أكثر من معنى، إلا طاروا بها وقصروها فقط على معنى محدد، ومنعوا حملها على الوجه الآخر كونه مؤيدا لقول المخالفين لهم، فهم نقلوا عن بعض أهل اللغة أنه يستر رأس المرأة بالمقنعة، والقناع أشمل وأوسع من المقنعة، فقالوا هذا دليل أنه لم يَرِدْ بلفظ ستر الوجه، مع أنه قد ورد وبكثرة لا تحصى! وهذا ظلم وتقول على العلماء ما لم يقولوه، فمادة التقنع بمعنى الستر، فما المانع إن استعملت لستر الرأس أو إذا استعملت لستر الصدر كتقنع المقاتلين بالدروع ألا يستعمل لفظ التقنع لغير ذلك، كتقنعهم للوجوه فهي تأتي بمعنى الستر وتحتمل كل تلك المعاني وأكثر، فلماذا حجّروا واسعاً، لَما كان الشأن فيه لستر وجه المرأة، فلو قال قائل شربت بالكاسة لبناً، وشهد له بذلك مائة شخص أنهم رأوه يشرب بالكاسة لبنا، فهل نقول أن الكاسة لا تستعمل لشرب الماء أو العصير وغير ذلك من المشروبات؟ .
فكيف وقد وردت لفظة التقنّع لستر الوجه للرجال وللنساء؟ بل وإذا ذكر قناع المرأة كان بالأخص يراد منه تقنعها بستر وجهها كما قصده السلف، كما في الأحاديث وكتب التفاسير والآثار وشروح العلماء ومعاجم أهل اللغة.