قلنا: قال الإمام: الأمر فيهما قريب، ولا حجر على من يعدُّهما من الأركان كما في الصلاة، ولا على من يعدهما من الشروط في الصلاة أيضاً.
أو نقول: المقصود ما يقع فيهما، وهما محلَّان.
ويجوز الفرق بأن الغرض من الخطبة: الوعظ، وهو أمر معقول، ولا يتضح في الصلاة أمر معقول، فجعل القيام [ثم] بمثابة ما فيه، وهاهنا عدّ شرطاً ومحلّاً لما هو المقصود.
وقال بعض المتأخرين: الفرق: أن المطلوب بالصلاة الخدمة بحالتيه اللتين يلابس فيهما شئونه ويقضي مآربه وهما القيام والقعود، فلا جرم عدا ركنين؛ لكون المقصود بهما التعظيم، بخلافهما في الخطبة؛ فإن مقصودها الموعظة، والقيام فيها لا يعد وعظاً، ولا له مدخل فيه، والقعود مقصود بالفصل؛ فكان بالشروط أشبه.
قال: والعدد الذي تنعقد به الجمعة؛ لأنه قد جعل شرطاً في صحة الجمعة؛ فكان من شرطهما حضور العدد فيهما: كتكبيرة الإحرام، وإذا ثبت أن العدد [شرط فيهما]، فلو انفض القوم بجملتهم في أثنائهما، أو بعضهم بحيث نقص العدد عن الأربعين- فالذكر المأتي به في حال غيبتهم غير معتد به، بلا خلاف.
قال القاضي الحسين: اللهم إلا أن تبدر منه لفظة أو لفظتان.
والفرق بين الخطبة إذا انفضوا فيها، وبين الصلاة إذا انفضوا فيها حيث لا يضر ذلك على رأي: أن كل مصل يصلي لنفسه؛ فجاز أن يسامح في نقصان العدد في الصلاة، وفي الخطبة الخطيب لا يخطب لنفسه، وإنما الغرض إسماع الناس وتذكيرهم، فما جرى ولا مستمع أو مع نقصان عدد المستمع- فات فيه مقصود الخطبة؛ فلم يحتمل ذلك.