وإذا ثبت ذلك نظرت: فإن لم يعد المنفضون ولا غيرهم، امتنعت إقامة الجمعة.
وإن عاد غيرهم، فقد قال في "التهذيب" و"التتمة": إنه لابد من استئناف الخطبة، طال الفصل أو لم يطل.
وقال في "الوسيط": إنه إن عاد مكانهم آخرون، فالحكم كما لو عادوا بأنفسهم.
[ولو عادوا بأنفسهم]، نظرت: فإن كان الفصل يسيراً، بنى على الخطبة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّم سليكاً الغطفاني في الخطبة، وكذلك كلم قبله أبا الحقيق في أثنائها- كما سنذكره- ثم بنى، ولم يجعل للفصل اليسير حكماً.
وأيضاً: فالفصل اليسير كعدم الفصل؛ ألا ترى أنه لو سلم ناسياً، ثم تذكر، ولم يطل الفصل، جاز البناء؟! فكذلك يحتمل الفصل اليسير بين صلاتي الجمع.
[وحد القرب بقدر ما بين صلاتي الجمع] كما قاله القاضي الحسين.
وابن الصباغ جعل المرجع فيه إلى العرف.
وإن عادوا بعد طول الفصل، فهل يبني أو يستأنف؟ فيه قولان جاريان فيما لو سكت قدر ذلك، والقولان مخرجان- كما قال الإمام؛ حكاية عن الأصحاب- على قولين في أن الموالاة في الخطبة هل تشترط أم لا؟
أحدهما- وهو ما قال البندنيجي: إنه القديم-: [لا]؛ لأن الغرض الوعظ والذكر، وذلك حاصل مع تفريق الكلمات.
والثاني- وهو ما قال البندنيجي: إنه نص عليه في "الأم"، وهو الجديد؛ كما قال غيره-: نعم؛ لأن للولاء وقعاً في استمالة القلوب، ولأن الأوّلين خطبوا على الولاء؛ فيجب إتباعهم، وهذا هو الأصح بالاتفاق، وبه جزم الماوردي، وقال: إن غرض الخطبة باقٍ، وأنه لا يختلف المذهب في ذلك.