الذي حط عنه وجوب الصوم الترخص بالفطر، فإن لم يفطر فقد ترك الترخص، وليس بين إقامة الصوم وبين الترخص بالفطر مرتبة، والشرع [لم] يجعل شهر رمضان في حق المسافر كسائر الشهور حتى يصح فيه أي صوم شاء.
قال: وأبو إسحاق لما جوز للمقيم الذي أصبح غير ناوٍ أن يتطوع بالصوم؛ فإنه على قياسه يجوز للمسافر أن يتطوع، وهذا حيد عن مذهب الشافعي وقياسه.
قلت: ولأجل ما ذكره الإمام من إلزام أبي إسحاق من صحة تطوع المسافر بالصوم، جعل الغزالي فيما إذا نوى المسافر التطوع به أو أصبح المقيم ليلة الشك غير ناوٍ، ونوى التطوع – أنه يصح على وجه، لكن ما ذكره الإمام في الرد على أبي إسحاق بأن المسافر عندنا لا يتطوع بالصوم في سفره ... إلى آخره، إنما يلزم أبا إسحاق أن لو كان قياس مذهبه يقتضي أنه إذا نوى التطوع من الليل وهو مسافر أنه يصح تطوعه، وليس قياس مذهبه يقتضي ذلك، بل الذي يقتضيه قياسه: أنه لو لم ينو الصوم من الليل، ونوى التطوع قبل الفطر نهاراً قبل الزوال أنه يصح، بل أولى؛ لأن المسافر لا يجب عليه الإمساك، بخلاف من أصبح يوم الشك غير ناوٍ، ولا يرد عليه ما قاله الإمام؛ لأنه قد ترخص عنده بأمرين:
أحدهما: أنه ترك نية الفرض من الليل التي لولا السفر، لوجبت.
والثاني: أنه إنما يكون في صوم التطوع صائماً من قوت نيته كما سنذكره عنه.
وله أن يقول فيما إذا نوى التطوع من الليل: إنه لا يصح؛ لما ذكره الإمام، ويجوز أن يقول بالصحة، ويمنع كون الشيء إذا وقع واجباً يمتنع أن يقع تطوعاً، ويستشهد بمن دخل المسجد، ونوى بفرضه الفرض وتحية المسجد فإنهما يحصلان له، وإن كانت أفعاله الواقعة عن الفرض لا يجوز إبطالها بالخروج قبل استكمالها [وأفعاله الواقعة عن تحية المسجد يجوز إبطالها بالخروج قبل استكمالها]، ولا نظر إلى تقدم الوجوب في مسألة الصوم واقترانه بالتطوع في مسألة الصلاة، والله أعلم.
وقد عدل المتولي عن كون الإمساك صوماً شرعياً أو غير شرعي، إلى أن من