أمرناهم بالإمساك هل يثابون عليه أم لا؟! وحكى فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا؛ لأن الفعل غير معتد به.
والثاني: إن لم يكن متعدياً بالفطر فيثاب، وألا فلا؛ عقوبة له على تعديه.
والثالث - وهو الذي صححه -: أنه يثاب عليه أبداً؛ لأنه لو تركه استحق العقاب فإذا لم يتركه، وجب أن يستحق الثواب. وهذا ما أبداه ابن الصباغ احتمالاً لنفسه بعد حكاية الوجهين السابقين وتصحيح الثاني منهما، وقال: ينبغي أن يحمل قول أبي إسحاق: إن من وجب عليه الإمساك وليس متعدياً بالإفطار، فأمسك، يكون صوماً شرعيًّا - على أنه إمساك شرعي يثاب عليه خاصة.
قال: فإن صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً، ولم يروا الهلال، أفطروا؛ لأنهم قد استكملوا العدة؛ فأشبه ما لو صاموا بشهادة اثنين.
وقيل: لا يفطرون، لأنه يؤدي إلى الفطر بقول واحد؛ وهولا يجوز أن يفطر بقوله لو ابتدأ الشهادة، فكذلك إذا اقتضته الشهادة السابقة، وهذا ما اقتضى إيراد الغزالي ترجيحه، وقد حكى عن ابن الحداد أنه قال بمثله فيما إذا صاموا بشهادة اثنين وثلاثين يوماً ولم يروا الهلال مع الصحو؛ لأن العيان يقين وشهادة شاهدين مستترة، واليقين لا يزال بالمستتر، وقد نسب هذا إلى ابن سريج أيضاً.
والأصح في مسألة الكتاب عند الأكثرين - كما قال الرافعي -: الأول، وحكوه عن نصه في الأم.
والفرق بينه وبين ما إذا ابتدأ الشهادة برؤية هلال شوال: أن الشيء قد يثبت ضمناً، ولا يثبت صريحاً؛ كشهادة النساء، لا تقبل في المواريث والأنساب، والولايات ابتداءً، وتثبت بشهادتين ضمناً إذا شهدن بالولادة.
وقال الإمام: إن في هذا نظر؛ فإن الولادة إذا ثبتت يلحق النسب الفراش، وهو قائم لا نزاع فيه، ولم يتحقق مثل ذلك فيما نحن فيه.
قال الرافعي: وللمحتج أن يقول: لا معنى للثبوت الضمني إلا هذا، وأما ما ذكره