لم قدم الشافعي- رضي الله عنه- أحد الفعلين على الأمر وأخر الآخر [عنه].
وكأن الغزالي- والله أعلم- استشعر ذلك؛ فخرج عنه بقوله- كما حكاه عنه ابن يونس، وابن التلمساني: إن الأفضل أن يحرم من الجعرانة، ثم من الحديبية، [ثم من التنعيم، وقدم فعله بالجعرانة على فعله بالحديبية؛] لأن إحرامه من الجعرانة كان في سنة سبع، ومن الحيبية في سنة ست، والعمل بالمتأخر أولى.
لكن الذي ذكره في "الوسيط"، و"الوجيز" ما حكيته عن الإمام وغيره، وما حكي عنه يمكن أخذه من قول الإمام: ولقائل أن يقول: ما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديبية عن اختيار، وإنما صُدَّ اضطراراً، فتقديم ما أمر به على ما كان خاض فيه، ولم يتم له على اضطرار فيه بعض النظر.
قال: ولكن يوجه ما ذكره الشافعي أنه- عليه السلام- أعمر عائشة من التنعيم، وكان متمكناً من إعمارها من الحديبية؛ فاقتضى ذلك تقديم [ما أمر به].
قلت: وهذا بعينه يمكن أن يكون مأخذ الشيخ في ترجيحه التنعيم على الجعرانة؛ لأن إحرام النبي - صلى الله عليه وسلم -[منها] كان في سنة سبع في عمرة القضاء أو القضية؛ كما تقدم- وأمره - صلى الله عليه وسلم - عائشة- رضي الله عنه- بالإحرام من التنعيم، كان في عام حجة الوداع في سنة عشر.
ويمكن أخذه من وجهٍ آخر: وهو أن الكلام فيمن كان بمكة، وأراد الإحرام بالعمرة، والذي وجد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الصورة الأمر بالإحرام من التنعيم؛ فكان هو المتبع، ولا يعارضه إحرامه- علي السلام- من الجعرانة؛ لأنه حيث أراد الإحرام منها لم يكن بمكة، وخرج منها [إليها فأحرم منها]، وإنما كان ذلك حين قفل من حنين، كما قاله ابن الصباغ.
وأفهم كلامه أن الشافعي- رضي الله عنه- قاله.
لكن الإمام حكى عن الشافعي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى بعمرة الجعرانة عام القضاء- أي: وهي سنة سبع كما تقدم- ثم قال الإمام: ولم أرَ لهذا التاريخ ذكراً في كتب الحديث، وفيه إشكال من جهة أن ذا الحليفة كان على ممر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،