وكان في قصده مكة للعمرة، فيبعد منه - صلى الله عليه وسلم - مجاوزة الميقات مع قصده النسك.
والأظهر: أنه كان أحرم من ذي الحليفة لتيك العمرة، وعمرة الجعرانة عمرة أخرى برز لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحرم، واختار من الحل تلك البقعة؛ ولأجل هذا قال ابن الصلاح في مناسكه: إن قول الشيخ في التنبيه ليس مرضياً دليلاً ومذهباً.
وقال النواوي في "الروضة": إنه غلط.
وتأول بعضهم كلام الشيخ، فقال: إذا أراد المكي أن يقتصر في إحرامه بالعمرة على الواجب، وهو الإحرام [من أدنى الحل] فليكن من التنعيم؛ لأنه أقرب الحل إلى البيت؛ كما قاله ابن الصلاح، والإمام، والبغوي.
والتنعيم عند طرف الحرم من جهة المدينة على ثلاثة أميال، وقيل: أربعة من مكة، وهو الذي حكاه الرافعي.
قيل: سمي بذلك؛ لأن عن يمينه جبلاً يقال له: نعيم، وعن شماله جبل يقال: ناعم، والوادي: نعمان. والله أعلم.
قال: فإن أحرم بها- أي: بمكة وما في معناها من الحرم- ولم يخرج إلى أدنى الحل- أي: حتى تحلل- ففيه قولان- أي: منصوصان في "الأم".
أحدهما: لا يجزئه؛ لأن الشرط في النسك أن يجمع في إحرامه بين الحل والحرم- كما تقدم- ولم يوجد.
وعلى هذا يبقى على إحرامه إلى أن يخرج، ثم يأتي بالطواف، والسعي، والحلق أو التقصير؛ إن قلنا: إنه نسك؛ كما سيأتي وعليه دم الحلق؛ إن كان قد حلق؛ لأنه فعله قبل الطواف.
ولو كان قد جامع ظناً منه: أنه تحلل ففي فسادها قولان.
والثاني: يجزئه-[أي: ما أتى به من طواف وغيره] وعليه دم؛ كالآفاقي إذا جاوز الميقات مريداً للحج، فأحرم من مكة؛ وهذا ما قاله ابن الصباغ عند التفريع عليه: إنه الصحيح، وتبعه صاحب "البحر"، والرافعي، والنواوي، وصاحب "المرشد".
لكن القائلون بالأول، فرقوا بين ما نحن فيه وبين ما إذا أحرم [بالحج] من مكة: بأن الحاج لابد له من قصد الحرم من الحل، وهو عند رجوعه من عرفات