وقد توافق القولان على انعقاد إحرامه، وهو ما صرح به القاضي أبو الطيب، والماوردي، والبندنيجي، والقاضي الحسين، وادعى الإمام أنه لا خلاف في ذلك.
وفي "الإبانة" حكايتهما في أن إحرامه هل يصح أم لا؟
وتبعه المسعودي في ذلك، ولعله مئوّل على ما ذكرناه.
وقد أفهم كلام الشيخ: أنه إذا خرج إلى أدنى الحل: أنه يجزئه قولاً واحداً، ومحله إذا كان خروجه إلي قبل الطواف والسعي، كما صرح به الأصحاب، وقالوا: لا يجب عليه دم؛ لأنه زاد خيراً؛ فإنه من طريق التمثيل بمثابة من أحرم قبل الميقات، ثم مرَّ عليه.
وحكى الإمام أن من أصحابنا من خرَّج إيجاب الدم على الخلاف المشهور في عود المسيء بالإحرام دون الميقات، ثم عاد إليه.
وذلك- أيضاً- إذا خرج بقصد النسك فلو لم يقصد بل خرج لبعض أشغاله، فالذي حكاه القاضي الحسين عن القفال: أن الحكم كذلك؛ لأنه [لا يراعي] القصد، وإنما المرعي حصوله به؛ كما لو حصل بعرفات، ولم يقصده، يحسب له الوقوف، وبهذا أجاب في "التهذيب".
ويظهر أن يجيء فيه ما ذكرناه في الوقوف.
واعلم أن قول الشيخ:"وإن كان من أهل مكة ... " إلى آخره يفهم مع قوله من قبل: "ومن جاوز الميقات غير مريد للنسك، ثم أراد أن يحرم، أهلَّ من موضعه" اختصاص إيجاب الخروج للإحرام بالعمرة من أدنى الحل بأهل مكة، دون الآفاقي، وليس كذلك، بل من كان بمكة، وأراد أن يعتمر، وجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل، سواء كان أهلها، أو آفاقيّاً، نوى الإقامة بها أو لا؛ فاعلم ذلك.
قال: ثم يطوف-[أي: طوافاً]- مثل طواف القدوم السابق، ويسعى، ويحلق، وقد حلَّ، لما روى مسلم أن عبد الله بن عمر قال: "تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وتمتع الناس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[بالعمرة] إلى الحج؛ فكان من الناس من أهدى، فساق الهدي، ومنهم من لم يهد، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -