مكة، قال للناس:"من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم عليه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى، فليطف بالبيت، وبالصفا والمروة، وليقصر، وليتحلل، ثم ليهل بالحج، وليهد .. " وساق الحديث.
وما ذكره الشيخ من اشتراط الحلق في الحل تفريعاً منه على أنه نسك؛ كما هو الصحيح، ويقوم مقامه التقصير، وعلى ذلك يدل الحديث.
أما إذا قلنا: إنه استباحة محظور، فلا يتوقف الإحلال عليه، وعليه يدل ما رواه أبو داود عن عائشة قالت:"خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً"، فقدمت مكة وأنا حائض .. " وساقت الحديث إلى أن قالت: "فطاف الذين أهلّوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم حلقوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم، وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافاً واحدا".
قال في مختصر السنن: وقد أخرجه البخاري ومسلم.
فإن قلت: قد دلَّ الحديث على أن من ساق الهدي، وكان قد أحرم بالعمرة في أشهر الحج: أنه لا يحل بما ذكرتم، فهل تقولون به؟
قلنا: لا، وإنما قال به أبو حنيفة وأحمد حيث قالا: إذا ساق الهدي، لا يتحلل، بل يحرم بالحج إذا كان قد أراده، ثم يتحلل منهما جميعاً.
ودليلنا: أنه متمتع فرغ من [أعمال] عمرته؛ فحل من إحرامه؛ كما لو لم يسق الهدي.
وأما الخبر، فجوابه: أنه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، كانوا قد أحرموا إحراماً مطلقاً، فأمر من لم يسق الهدي يجعله عمرة، ومن ساقه بجعله حجًّا، وحينئذ فلا حجة لهم فيه؛ كذا حكاه القاضي أبو الطيب عن الشافعي، وعزاه في "البحر" إلى نصه في "الأم".