فإن قلت: ما ذكرته في الجواب عن عدم ذكره لابتلاع الحيوان الحي- إن صح- مُغْنٍ عن ذكر جلد ما يؤكل لحمه إذا مات ودبغ، فلم ذكره؟
قلت: لأمرين:
أحدهما: ليبين أنه مختلف فيه.
والثاني: لأن الدباغ كالذكاة في التطهير على الجديد، فقد يظن أنه كهي في حل الأكل، فأراد أن يبين أنه ليس كذلك في أحد القولين، والله أعلم.
قال: وما ضرَّ أكله كالسم وغيره، أي: من الطاهرات، مثل: الزجاج، والحجر، والطين الذي يؤكل تفكهاً وسفهاً- كما قاله في "المرشد"-[قال:] لا يحل أكله؛ لقوله تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}[النساء: ٢٩] وقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٩٥]، ومن هذا القبيل تناول الأدوية في غير وقتها؛ لأنها تزيل الصحة.
وقد أفهم كلام الشيخ تحريم أكل السم القليل منه والكثير، وهو ظاهر نصه في كتاب الطعام والشراب؛ حيث قال- كما حكاه في "البحر"-: ما عرفه الناس سماً يقتل، أكره قليله وكثيره، خلطه أو لم يخلطه؛ لدواء أو غيره، وقد سمعت بمن مات في قليل [قد] بريء منه غيره، ولا أحبه، ولا أرخص فيه.
قلت: ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"مَنْ حَسَا سمًّا، فَسمُّهُ في يَدِهِ، يَتَحَسَّاهُ في نَارٍ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً"، وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما أتم منه. وهذا النص معمول به بلا شك فيما إذا كان القليل مضراً كالكثير، أما إذا لم يكن مضراً، فقد أطلق البندنيجي وأبو الطيب في هذا الباب حكاية قولين فيه، وإن كان مضطراً إلى القليل في سد الرمق، والجواز أخذ من نصه في كتاب الصلاة عليه، ويقرب منه قول الإمام: ولو تُصُوِّرَ شخص لا