ثم هذا القائل لا يعني بالشبع الامتلاء حتى لا يبقى للطعام مساغ؛ فإن هذا حرام قطعاً؛ صرح به البندنيجي وأبو الطيب وغيرهما، ولكن يعني به- كما قال الإمام-: أن يأكل حتى تنكسر سورة الجوع؛ بحيث لا ينطلق عليه اسم جائع، فينتهي وينكف؛ وعلى هذا لو وجد لقمة حلالاً بعد سد الرمق، ليس له أن يأكل من الميتة، حتى يأكل تلك اللقمة، فإذا أكلها، فهل له إتمام الشبع؟
قال البغوي: قال شيخي: يحتمل وجهين:
أحدهما: لا، حتى يصير إلى أدنى الرمق؛ لأنه عاد إلى أصل التحريم بوجود تلك اللقمة.
والثاني: له ذلك؛ لأنا أبحنا له الشبع ولم يصر إليه، وهذا ما صححه النواوي في "الروضة".
وقيل: ليست [المسألة] على قولين، بل على حالين:
فالموضع الذي قال: لا يأكل شبعه؛ إذا كان في الحضر؛ لأنه ربما وجد طعاماً، فإن لم يجد فهو مقيم عند الميتة.
والموضع الذي قال فيه: يأكل شبعه؛ إذا كان مسافراً يحتاج إلى المشي، ولا يعرف أمامه طعاماً، فله أن يأكل شبعه؛ حتى لا يعجز عن المشي؛ وهذا ما حكاه القاضي الحسين عن [الشيخ] أبي جعفر الإستراباذي، وقال: إن الصحيح طريقة القولين.
وحكى الإمام معها قولاً ثالثاً: أنه إن كان في مهمهة بعيدة عن العمران، فليشبع؛ ليقطع المهمهة، وإن كان بقرب البلد اقتصر على سد الرمق، ثم أبدى لنفسه تفصيلاً، لخصه في "الوسيط"، فقال: من علم في البادية أنه لو لم يشبع ويتزود فلا يقوى، ولا يجد غيره، ويهلك؛ فيجب القطع بأنه يشبع ويتزود. وإن كان في بلد، ولو سر الرمق توقع طعاماً مباحاً قبل عود الضرورة- وجب القطع بالاقتصار على سر الرمق، وإن كان لا يتوقع طعاماً، ولكن يمكنه الرجوع إلى الميتة إن لم يجد طعاماً مباحاً، فهاهنا يتجه التردد؛ إذ لو شبع لم يعاود على قرب، وإن اقتصر عاود على القرب.