للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال البندنيجي وأبو الطيب وابن الصباغ وغيرهم: [و] في معنى المضطر المقدم ذكره من كان ماشياً أو راكباً على سفر وإن ترك الأكل، انقطع [عن] الرفقة؛ لضعفه عن المشي والركوب؛ فيجوز له الأكل، وقد حكاه القاضي الحسين عن الشافعي، رضي الله عنه.

وكذا لو خشي إن ترك الأكل مرض؛ كما قاله البندنيجي وقيده غيره بالمرض المخوف، وقال: في حل الأكل؛ لخوف مرض السل ونحوه من الأمراض التي تطويل، ويعسر علاجها- قولان:

أحدهما: لا يحل الأكل؛ لعدم الخوف عاجلاً؛ كما لو توقع من عدم الأكل حصول حمى الربع.

وقال الرافعي: إن هذا الخلاف يقرب من القولين اللذين في "التهذيب" وتعليقه الشيخ إبراهيم المروذي فيما إذا عيل صبره، وأجهده الجوع، هل تحل له الميتة أم لا؟

فأحد القولين: أنه لا تحل حتى يصير إلى أدنى الرمق؛ لأن خوف الهلاك لم يتحقق؛ وهذا ما ادعى الإمام نفي خلافه، وقال المزني: لا نعلم سواه.

والثاني: تحل؛ لما يناله من الشدة والمشقة، ولينفعه الطعام.

والذي رأيته في "تعليق" القاضي الحسين في التعبير عن هذا القول: أن أبا عبد الله السرخسي حكى نصاً عن الشافعي: أنه يحل له أكل الميتة إذا اشتد به الجوع وعِيلَ صبره، وعلم أنه لو دام [به الجوع] مات.

وقد سلك الماوردي في التعبير عن [هذه] الحالة التي يسوغ فيها أكل الميتة طريقاً آخر، فقال: من انتهى به الجوع إلى حَدِّ التلف، فلا يقدر على مشي ولا نهوض؛ فيصير غير متماسك الرمق إلا بأكل، كان له بالأكل، وإن تماسك رمقه إذا أقام أو جلس، ولا يتماسك إن مشى وسار، نظر: فإن كان في سفر يخاف فوت رفقائه، حلَّ له أكلها، وإن لم يخف فوت رفقائه، لم يحل؛ وهذا أحد الشروط الأربعة التي اشترطها في حل أكل الميتة.

الأمر الثاني: أن يكون غير واحد من المأكول ما يمسك به رمقه؛ لأنه حينئذ

<<  <  ج: ص:  >  >>