ولا عوضاً، فلا يرجع عليه بشيء.
نعم لو اختلفا: فقال صاحب الطعام: إنما أذنت بعوض، وقال المضطر: بل أذنت مستحباً؛ فلا عِوَضَ لك عليَّ- فالقول للمالك مع يمينه.
وحكى الإمام وغيره قولاً آخر: أن القول قول الآكل.
وقد أفهم كلام الروياني في "البحر": أن من الأصحاب من لم يجوز طلب الأجرة في مسألة التخليص من الغرق ونحوه؛ فإنه فرق بينه وبين مسألة الطعام: بأنه لو كان لا مال له، يلزمه تخليصه؛ لحرمته، ولا يحتاج إلى إزالة ملكه، ولا يجوز الانتظار على الأجرة، فكذلك إذا كان له مال، وهاهنا بخلافه.
ولو امتنع صاحب الطعام- وقد تعين عليه البذل [من البذل: إما مطلقاً، أو إلا بأكثر من ثمن المثل- نظر: فإن كان المضطر قادراً على مكابرته ومقاتلته] على أخذه منه، كان له ذلك، وهل يجب؟ فيه وجهان في "الحاوي".
وقال الرافعي: إنهما مبنيان على أنه: هل يجب أكل الميتة أم لا؟
والأولى بأن لا يجب هنا؛ لأن عقل المالك وديته تبعية على الإطعام، وهو واجب عليه؛ فجاز أن يجعل الأمر موكولاً إليه، ويكتفي به.
ثم ما القدر الذي يقاتله عليه؟ فيه الخلاف المذكور فيما يحل من طعام الغائب؛ إذا قلنا: إنه يأكله وقد تقدم، ولا خلاف في أنه إذا أذن له في الأكل، أكل إلى حد الشبع.
قال في "البحر": ولا يجوز له الزيادة على الشبع.
قلت: وهذا ليس؛ لأن أكل الزائد على قدر الشبع حرام، بل لأن الإذن مقيد به عرفاً؛ فحمل عليه، وإلا فالأكل فوق الشبع جائز؛ وإن كان مكروهاً؛ كما صرح به الروياني والقاضي الحسين، واستأنس فيه بما روى عن عمر أنه قال: "اجعلوا بطونكم ثلاثة: ثلث للطعام، وثلث للماء، وثلث للنفس".