ثم إن أتى القتال على المضطر، لزم صاحب الطعام ضمانه بالقصاص أو الدية؛ مكا لو قتله ابتداء؛ لأنه ما حلَّ له أن يقاتله.
وإن أتى الدفع على صاحب الطعام، كان هدراً؛ لأنه ظالم.
وإن لم يقدر المضطر على مقاومته ومكابرته على الطعام، فإن لم يقدر على شرائه منه ومات، لم يضمنه بقودٍ ولا دية، لكنه آثم.
قال الماوردي: ولو قيل: إنه يضمن ديته، كان مذهباً؛ لأن الضرورة قد جعلت له من طعامه حقاً؛ فصار منعه منه كمنعه من طعام نفسه، ولو منع الشخص من طعام نفسه حتى مات جوعاً، ضمن ديته؛ فكذلك هنا.
والذي ذكره القاضي أبو الطيب والفوراني وغيرهما- كما ذكرناه في باب: ما يجب به القصاص-: أنه لا ضمان فيما إذا أخذ من رجلٍ طعامه وشرابه [في برية]، لم يضمنه وإن قدر على الشراء؛ لكون المالك سمح بالبيع، لكن بأكثر من ثمن المثل؛ فإنه يعاقده عليه بما يقول من الزيادة، ويحتال حتى يشترط فيه شرطاً فاسداً، فإن لم يتمكن من ذلك وعاقده عارياً عن الشرط الفاسد- ففيما يلزمه وجهان:
أحدهما: الثمن المسمى؛ لأنه اشتراه من غير أن يكرهه عليه؛ وهذا ما قال في "البحر": إن القاضي صححه، وقال الإمام: إنه الأقيس.
والثاني: لا يلزمه إلا ثمن المثل؛ لأنه في معنى المكره على ذلك العقد؛ لأن الاضطرار حمله عليه؛ وهذا ما اختاره في "المرشد".
وقال الروياني: إنه أظهر عندي، وأقرب إلى المصالح.
فإن قلت: على هذا ينبغي أن يقال: إذا كان قادراً على قتاله ألا يقاتله، لأنه إذا عاقده بأكثر من ثمن المثل، لا يلزمه إلا ثمن المثل؛ فلا ضرورة إلى القتال.
قلت: الأولى عدم جريان هذا الوجه في حال القدرة على أخذه بالقتال، لأنه ينتفي معنى الإكراه؛ فإن المكره حقيقة مَنْ لا يقدر على دفع المكره، فكيف الميتة به؟
[ولأجل هذا قال الرافعي: إنه يلزمه في هذه الصورة المسمى بلا خلاف، لكن ابن الصباغ صرح بجريانه] هنا أيضاً، وقد رجع حاصل الوجهين إلى أن البيع هل يصح أم لا؟ كما صرح به الإمام وغيره.