وهذا الخلاف أخذ من قول الشافعي في "المختصر": "لو وجد المضطر ميتة وصيداً، وهو محرم، أكل الميتة، ولو قيل: يأكل الصيد ويفدي، كان مذهباً"، واختلف الأصحاب في ذلك.
فالذي ذكره أبو إسحاق والقاضي أبو حامد: أن في المسألة قولين مطلقين؛ أخذاً بظاهر اللفظ:
أحدهما: يأكل الميتة؛ لأن إباحتها ثابتة بنص الكتاب، وتناول الصيد مجتهد فيه، وما ثبت بالنص أولى مما ثبت بالاجتهاد.
ولأن في الصيد تحريمين: تحريم ذبحه، وتحريم أكله، وفي الميتة تحريم واحد، وما خف تحريمه كان أولى.
والثاني: يأكل الصيد؛ لأن تحريمه أخف؛ لأنه مختص ببعض الناس في حالة الاختيار دون بعض، بخلاف الميتة؛ فإنها حرام على الكافة؛ ولأن تحريم الميتة؛ لمعنى فيها، وتحريم الصيد لمعنى في غيره؛ فكان ما فارقه معنى التحريم أخف مما حله معنى التحريم.
والذي قاله صاحب "التلخيص"، ولم يورد ابن الصباغ في كتاب الحج غيره-: أن في المسألة قولين مبنيين على القولين في ذبح المحرم الصيد، هل يضره كالميتة؛ فيحرم عليه وعلى غيره أو لا؛ فيحل لغيره؟ فإن قلنا بالأول- وهو الجديد – أكل الميتة؛ لأنه إذا ذبحه صيره مثل الميتة التي معه، ولزمه الجزاء، ولا حاجة به إلى ذلك.
وإن قلنا بالثاني، أكل الصيد؛ لأن لحمه طاهر، وتحريمه أخف؛ بدليل ما سبق؛ فكان تناوله أولى.
وذهب أبو علي بن أبي هريرة وأبو علي الطبري صاحب الإفصاح إلى أنهما مبنيان أيضاً على القولين في ذكاته، لكن إن قلنا بالأول، أكل الميتة أيضاً.
وإن قلنا بالثاني: فهل يأكل الميتة أو الصيد؟ فيه القولان، وتوجيههما ما ذكرناه؛ وهذه الطريقة اقتصر الفوراني على ذكرهما.
وحكى الغزالي- تبعاً لإمامه- طريقة أخرى، فقال: إن قلنا بالأول، أكل الميتة أيضاً، وإن قلنا بالثاني، فهو كما لو وجد الميتة وطعام الغير؛ فيخرج على الخلاف،