للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: قد روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، قال: "أوف بنذرك"، والضرب بالدف ليس بقربة، وقد أمرها بالوفاء به.

قيل: هو محمول على الإباحة دون الوجوب.

وقال في "البحر": إن الخطابي أجاب بأنه لما اتصل بإظهار الفرح بسلامة مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة من بعض غزواته، وكان مساءة للكفار، وإرغاماً للمنافقين صار فعلها كبعض القرب التي هي من نوافل الطاعات؛ ولهذا أبيح ضرب الدف، واستحب في النكاح؛ لما فيه من الإشارة بذكره، والخروج عن معنى السفاح.

وما ذكره الشيخ من عدم صحته بالمعصية هو المشهور، وقد رأيت في "تعليق" القاضي الحسين في كتاب الاعتكاف: أنه لو نذر أن يعتكف جنباً، فالأصح أنه ينعقد نذره.

وهل يخرج عن نذره قراءة القرآن إذا قرأ وهو جنب؟ الأصح: لا، ومقابله: نعم؛ كما يحنث إذا حلف لا يقرأ القرآن، فقرأه وهو جنب، وسيأتي في نذر صوم يوم العيد ونحوه خلاف.

تنبيهان:

أحدهما: ظاهر كلام الشيخ يقتضي أن كل قربة غير لازمة بأصل الشرع، تلزم بالنذر؛ كما هو قضية حد النذر الأول، وعليه ينطبق قول القاضي الحسين: "عندي كل ما يتقرب بجنسه إلى الله تعالى فرضاً أو تطوعاً ينعقد نذره عليه؛ إذا لم يكن فيه إبطال رخصة: كنذر السلام على مسلم، أو عيادة مريض، أو شهود جنازة، أو زيارة قادم؛ إذا قصد بها التقرب".

ويوافقة قول الماوردي فيما إذا قال: "إن هلك فلان فلله علي أن أهب مالي من زيد": [إنه] ينظر: فإن كان فلان من أعداء الله، وزيد ممن يقصد بهبته الأجر والثواب- انعقد نذره. وإن لم يكن فلان من أعداء الله، وزيد ممن يقصد به التواصل والمحبة- لم ينعقد.

وكذا فيما إذا قال: "لله علي أن أتزوج"، فإنه ينظر: فإن قصد به غض الطرف،

<<  <  ج: ص:  >  >>