الجهالة في العوض، وأيضاً: فإنه لا يكاد يرغب أحد في العمل إذا لم يعلم بالجعل؛ فلا يحصل مقصود العقد.
قال ابن الصباغ: ولأنه يكون لازماً بوجود العمل فوجب كونه معلوماً، بخلاف العمل؛ فإنه لا يكون لازماً، فإن شرط جعلاً مجهولاً بأن قال: من رد آبقي فله ثوب أو دابة، أو: إن رددت فعليَّ أن أرضيك وأن أعطيك شيئاً، فرده- استحق أجرة المثل، وكذا لو جعل الجعل خمراً أو خنزيراً، ولو جعل الجعل سلب العبد أو ثيابه، قال المتولي: إن كان ذلك معلوماً أو وصفه بما يفيد العلم؛ فللراد المشروط، وإلا فله أجرة المثل.
قلت: وما أطلقه في حالة الوصف جواب على أن استقصاء الأوصاف على وجه يفيد الإحاطة بجميع المقاصد يقوم مقام الرؤية، وفيه خلاف في الجديد: فإن منعناه كان كالأجرة الغائبة، ولو جعل الجعل نصف العبد أو ربعه، فالجواب في "التتمة": الصحة، وفي "أمالي" أبي الفرج السرخسي: المنع، قال الرافعي: وهو قريب من استئجار المرضعة بجزء من الرضيع بعد الفطام.
قلت: ليس كذلك، فإن الأجرة إذا كانت معينة ملكت بالعقد، وإذا جعلت جزءاً من الرضيع بعد الفطام اقتضى عدم الملك في الحال، أو حصوله مؤجلاً والأول مخالف لوضع العقد، وكذا الثاني؛ فإن الأعيان المعينة لا تقبل التأجيل، وهاهنا الملك إنما يحصل بعد تمام العمل؛ فلا مخالفة لمقتضى العقد، ولا عمل يقع في مشترك؛ فلا وجه إلا الصحة إذا كان موضع العبد معروفاً، والعبد مرئياً، وإن لم يكن موضعه معروفاً، فيظهر أن يكون موضع الخلاف، وتكون مادته: أن الاعتبار في هذا العقد بحاله أو بحالة الرد، كما ذكرناه فيما لو تغير النقد.
ولو جعل الجعل ثوباً مغصوباً فقد أبدى الإمام فيه احتمالين:
أحدهما: تخريجه على القولين فيما إذا جعل المغصوب صداقاً، حتى يرجع في قول إلى قيمة ما يقابل الجعل وهو أجرة المثل وفي قول: إلى قيمة المسمى.
والثاني: القطع بأجرة المثل؛ لأن العوض ركن في هذه المعاملة، بخلاف الصداق.
قال: ويجوز لهما الفسخ قبل العمل؛ لأنها شبيهة بالوصية من حيث إنها