للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الالتقاط، أما إذا قلنا باستحبابه فقد حكى في موضع آخر: أنه إذا عرف، ثم بدا له قصد التملك عرفها سنة من يومئذ، ولا يعتد بما عرف من قل، على أنه سيأتي خلاف عن الأصحاب فيما إذا أخذ ما لا يمتنع من صغار السباع للحفظ، ثم عن له أن يتملكه: هل يجوز ذلك؟ ولا يبعد مجيء ذلك هاهنا، وإذا أوجبنا التعريف فهل تجب المبادرة إليه؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأن العثور على المالك في ابتداء الضلال أقرب، وهذا ما أورده القاضي أبو الطيب، فإن أخره على هذا من غير عذر ضمن، وإن كان ثم عذر- كما إذا خاف إن عرفها أخذها السلطان منه ظلماً وطالبه بأكثر منها- فلا يجوز له التعريف؛ بل يحفظها على صاحبها أبداً.

والثاني: لا، وهو الأشبه بكلام الأكثرين، وعليه قال الإمام: لو تمادى التأخير، وأمكن أن يقال: نسيت اللقطة في طول هذا الزمان، فهل ينفع التعريف بعد ذلك؟ فيه وجهان. ومن يصير إلى التعريف يقول: حق المعرف أن يؤرخ وجدان اللقطة في تعريفه، ويسنده إلى الوقت الذي لقيت فيه. وقد تساهل بعض الأصحاب في اشتراط ذلك، ورآه من باب الأولى، وجوز الاقتصار على التعريف المطلق.

قال: "على أبواب المساجد" أي عند خروج الناس منها، خصوصاً يوم الجمعة "والأسواق، وفي الموضع الذي وجدها فيه" أي: إن كان في عمران، وكذا يعرفها في مثل الوقت الذي وجدها فيه، إذا كان في يوم جمعة في الجامع- كما قال الفوراني- لأن ذلك أقرب إلى وجود ربها، ولا يعرف في المسجد؛ كما لا يطلب الضالة فيه، قال الشاشي في "المعتمد": إلا أن أصح الوجهين جواز التعريف في المسجد الحرام.

ولو كان الالتقاط في الصحراء فعن أبي إسحاق: أنه إن اجتازت به قافلة تبعها وعرف فيها، وإلا عرف في البلدة التي يقصدها، فإن بدا له الرجوع عرف عند الوصول إلى مقصده، ولا يكلف أن يغير قصده ويعدل إلى أقرب البلاد إلى ذلك الموضع- كما حكاه الإمام والغزالي- والذي ذكره الماوردي والمتولي وغيرهما: أنه يعدل ويعرف في أقرب البلاد إليها. وليس للملتقط تسليم المال إلى الذي يعرفه إلا بإذن الحاكم، فإن فعل ضمن، اللهم إلا أن يعرض له سفر؛ فيكون

<<  <  ج: ص:  >  >>