قال: ويدل على ذلك: أن الصبغ النجس عند الانفراد إذا غمر بالماء يحكم بطهارته، واللون دائم كما قبل الغسل.
وكذا إذا اختضبت المرأة بالحناء النجس، ثم غسلته يحكم بطهارة المحل وإن بقي اللون؛ لما ذكرناه من المعنى.
وقد ذكر القاضي هذا مرة أخرى في باب الأطعمة.
وقال الإمام هنا فيما إذا صبغ الثوب بصبغ نجس معقود [و] لم ينفصل؛ لانعقاده، وزاد وزن الثوب [به]: الذي يظهر عندي اجتناب مثله، والذي ذكره الأصحاب من العفو عن الأثر أراه إذا لم يقدر له وزن، ويسبق إلى الذهن أنه لون بلا عين وإن كان غير ممكن، ولكن الشرع مبناه على ظواهر الأمور.
قلت: وهذا لعله أقرب، وما ذكره القاضي من الاستشهاد على ما ذكره بأن المرأة إذا اختضبت بالحناء النجس ثم غسلته يحكم بطهارته- فقد قال الماوردي في باب الصلاة بالنجاسة: إنه حكى عن الشافعي- رضي الله عنه-: أنه نص عليه؛ لأن اللون عرض والنجاسة لا تخالط [العرض]، وإنما تخالط العين، فإذا زالت العين التي هي محل النجاسة، زالت النجاسة بزوالها.
وقال في باب ما يفسد الماء: إنه لو خضب شعره أو بدنه بخضاب فيه بول أو خمر، ثم غسله، فبقى [لونه] فإن كان الباقي لون النجاسة، فالمحل المخضوب نجس لا يطهر حتى يزول اللون. وإن كان الباقي لون الخضاب فقط، ففي نجاسته وجهان: فإن قلنا بنجاسته، أعاد ما صلاه، وهو عليه بعد زواله.
والعراقيون لم أقف في كلامهم على بقاء الأثر فيما عدا الأرض، وأما في الأرض، فقالوا: إن كان الباقي بعد الغسل لون النجاسة لا يعفى عنه بلا خلاف؛ فإن اللون عرض، والعرض لا يقوم بنفسه، فكان بقاؤه دليلاً على بقاء عينه.
وإن بقي الريح، ففي العفو عنه وجهان في "تعليق" أبي الطيب وقولان منصوصان في "الحاوي"[وغيره]، وعزاهما ابن الصباغ إلى "الأم":