ويقول لها: إن لاعنتِ سلمتِ، وإلا أقمتُ عليكِ الحدّ.
قال الرافعي: ويقرب من هذا الكلام أن الذين جعلوا المسألة على قولين ذكروا أنه لا فرق بين أن يكون الزوج الملاعن مسلماً أو ذميّاً؛ وإن قطعنا بوجوب الحكم فيما إذا كان أحد الخصمين مسلماً والآخر ذميّاً، لأن الزوج إذا لاعن خرج عن أن يكون خصماً لها، وما بعد لعانه يتعلق بها على الخصوص؛ فتخرج الصورة عن أن تكون خصومة مسلم وذمّي.
واعلم: أن الرافعي- ها هنا- قد أطلق القول بأنها إذا لم تلاعن نحدّها إذا رضيت؛ على القول بأنه لا يجب الحكم.
ومقتضى ما حكاه ابن يونس في باب "عقد الذمة" عن الأصحاب: أنها لا تحدّ ما لم يحكم الحاكم بالحد، وترضى به بعد الحكم؛ فإنه قال على القول بعدم وجوب الحكم- إذا تراضوا- حكم بينهم، ويشترط إلزامهم بعد الحكم للزومه.
نعم حكى الإمام ثَمَّ إذا حكم حاكمنا- عند رضاهم- نفذَ حكمه، ولا خِيَرَةَ لهم بعد نفوذ الحكم، وهذا يوافق إطلاق الرافعي ها هنا.
قال: وبانت منه؛ لحديث ابن عمر- رضي الله عنهما- وهي تحصل ظاهراً وباطناً، وإن كان الزوج كاذباً. وحكى أبو الفرج وجهاً [آخر]: أنها لا تحصل باطناً إذا كان الزوج كماذباً. والمذهب الأول، والفرقة الحاصلة به فرقة فسخ عندنا؛ لأنها تحصل بغير لفظ فأشبهت الردة.
قال: وحرمت عليه على التأبيد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال للعجلاني- لما قال لامرأته بعد اللعان-: "كَذَبْتَ عَلَيْهَا إِنْ أَمْسَكْتَهَا؛ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثاً، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا"، فنفى السبيل على الإطلاق من غير تقييد؛ فلو لم يكن مؤبداً، لبيّن الغاية، كما بينها- سبحانه وتعالى- في تحريم المطلقة ثلاثاً، ولما روى ابن عباس وابن عمر- رضي الله عنهم- أنه صلى الله عليه وسلم قال:"الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَداً". وفيه- أيضاً- دلالة على حصول البينونة؛ إذ لو لم تحصل لكان الاجتماع حاصلاً، ولكان له عليها سبيل.
وهذه خمسة أحكام كلها تتعلق بلعانه، ولا تحصل قبل تمامه، ولا شيءٌ منها، ومن