عدتهن}، وقبل الشيء: ما اتصل بأوله؛ فكان القبل والاستقبال سواء.
وتمسك الماوردي في ذلك بأن الله- تعالى- أثبت الهاء فيها، والهاء إنما تثبت في جمع المذكر دون المؤنث، و"الأطهار" جمع "طهر"، و"الطهر" مذكر، و"الحيض" لو قدرت جمع "حيضة".
ولأن "القرء" مشتق من الجمع؛ يقال: قرأت الطعام في فيه، وقرأت الماء في جوفه؛ إذا جمعته، ومن ذلك سمي القرآن قرآنا؛ لاجتماعه؛ قال تعالى:{فَإِذَا قَرَانَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}[القيامة: ١٨] يعني: إذا جمعناه فاتبع اجتماعه. وسميت القرية: قرية؛ لاجتماع الناس فيها، وإذا كان "القرء" هو الجمع كان بالطهر أحق من الحيض؛ لأن الطهر اجتماع الدم في الرحم، والحيض خروج الدم من الرحم، وما وافق الاشتقاق كان أولى بالمراد من مخالفه، والله أعلم.
وفي "تعليق" القاضي الحسين والرافعي: أنه يروي أن الشافعي [وأبا عبيد القاسم ابن سلام تناظرا في "القرء"، وكان الشافعي يقول: إنه الحيض] وأبو عبيد يقول: إنه الطهر؛ فلم يزل كل واحد منهما يقرر قوله حتى تفرقا وقد انتحل كل واحد منهما مذهب صاحبه، وتأثر بما أورده من الحجج والشواهد.
ثم قال الرافعي: وهذه الحكاية تقتضي أن يكون للشافعي قول قديم أو حديث يوافق مذهب أبي حنيفة.
ثم ما المراد من الطهر المفسر به القرء؟ فيه قولان:
المذكور منهما في "الرسالة": أنه الانتقال إلى الحيض، [وهذا] أخذاً من قولهم: قرأ النجم، إذا طلع، وقرأ: إذا غاب، وقد يقال: قرأ، إذا انتقل من برج إلى برج.
قال الرافعي: وقد يقتضي الاشتقاق وقوع الاسم على الانتقال من الحيض إلى الطهر، كوقوعه على الانتقال من الطهر إلى الحيض، وهذا قد حكيناه من قبل.
قال المتولي: الانتقال من الحيض إلى الطهر لا يدل على براءة الرحم؛ فإنها قد تحمل من الوطء في زمان الحيض، ثم ينقطع فيه، والانتقال من الطهر إلى الحيض يدل على البراءة؛ لأن الغالب أن الحامل لا ترى الدم؛ فاعتبر الشرع هذا الانتقال، ولم يعتبر ذلك الانتقال.