قال البندنيجي: وكان- عليه السلام- يفعل ذلك وطائفة من الذين معه سنة، ثم تاب الله على عباده، وخفف عنهم، فنسخه بعد السنة إلى اليسير من الليل بقوله:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ}[المزمل: ٢٠] فعبر بالقراءة عن الصلاة في آخر السورة، وبالقيام عنها في أول السورة؛ لأنهما ركنان فيها؛ ولذلك سمى الله صلاة الصبح: قرآناً، فقال:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}[الإسراء: ٧٧] ثم نسخ ذلك.
وكلامه في استقبال القبلة صريح في أن الناسخ له الصلوات الخمس، وقد حكاه البندنيجي قولاً، ولم يسم قائله، ولم يحك القاضي أبو الطيب سواه، وأشار إلى أن الدال على ذلك من الكتاب قوله- تعالى-: {أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}[الإسراء: ٧٧] أي: زوالها؛ كما قاله ابن عباس وغيره، واختاره الشافعي- رضي الله عنه- لخبر ورد فيه:{إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}[الإسراء: ٧٧] أي: شدة الظلمة، وذلك يستوعب أربع صلوات: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ثم قال:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}[الإسراء: ٧٧] أي: صلاة الفجر؛ قال الشافعي: سمعت ذلك ممن أثق بعلمه انتهى. وقوله- تعالى-: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ}[الروم: ١٧] إلى قوله: {وَحِينَ تُظْهِرُونَ}[الروم: ١٨] يدل عليه أيضاً؛ لأن معناها صلوا لله؛ قال الله- تعالى-: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ}[الصافات: ١٤٢] أي: من المصلين، فسماها تسبيحاً؛ لاشتمالها عليه، فإذا كان كذلك فقوله:{حِينَ تُمْسُونَ}[الروم: ١٦] يريد به المغرب والعشاء، وقوله:{وَحِينَ تُصْبِحُونَ}[الروم: ١٧] يريد به الصبح وقوله: {وَعَشِيّاً}[الروم: ١٨] يعني: صلاة العصر، وقوله:{وَحِينَ تُظْهِرُونَ}[الإسراء: ١٨] يعني به: صلاة الظهر.