للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من القصاص، وهو المتعين في استيفاء الحق – فهل له أن يصالح عنه الجاني بالتراضي؟ فيه وجهان جاريان فيما لو فعل ذلك ابتداء بعد اختيار القصاص.

ووجه المنع: أن عقوبة فلم تجز المصالحة عنها على عوض؛ كحد القذف.

ووجه الجواز – وهو ما قال الإمام: لعله الأصح- أن القصاص في مقابلة متقوم بالمال على الجملة، وهو النفس، وتتلف به؛ فتُقَوَّم، وليس كذلك العرض في القذف، وعلى هذا لا فرق بين أن يصالح على جنس الدية أو غير جنسها، أقل منها أو أكثر.

ولو كان المصالح أجنبيًّا، ففي جوازه وجهان، أصحهما: الجواز؛ كما في الخلع معه.

ومقابل المنصوص وجه حكاه العراقيون: أن له الدية.

قال ابن الصباغ: وتكون بدلاً عن القصاص، وليست التي وجبت بالقتل، وهذا كما إذا ادعى حقًّا، وأقام شاهداً، فإنه يحلف معه، فإن امتنع من اليمين، عرضنا اليمين على المنكر، فإن نكل رددنا اليمين، وكانت غير الأولة.

ووجهه المحاملي والشيخ في "المهذب": بأنه استحق أعلى البدلين، فكان له أن يعدل إلى أدناهما. وهذا التوجيه يقتضي أن تكون الدية بدل النفس، لا بدل القصاص، وقد يقوى هذا الوجه بأن في تمكينه من الرجوع إلى الدية ما يدعوه إلى العفو؛ كما قلنا: إنه يجوز له العفو على الدية، مع قولنا: إن الواجب القود عيناً.

وقد ادعى في "الوجيز" أن هذا الوجه الأظهر، وبه جزم في "الحاوي"، والإمام حكى فيما إذا عفا عن الدية صريحاً ثلاثة أوجه:

أحدها: أن المال يسقط بالكلية، [حتى] لو أراد الولي إسقاط القصاص على مال، لم يجد إليه سبيلاً.

قلت: ومن طريق الأولى إذا أطلق العفو عنه، وقد صرح [به] الرافعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>