للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ما ذكره من جريان التغليظ يجري في دية من عداه.

قال: وفي عمد الصبي والمجنون [- أي اللذين لهما تمييز -] قولان:

أحدهما: أنه عمد؛ لأنهما قد ميزا مضارهما من منافعهما؛ فوجب أن يصح منها العمد كالبالغ العاقل، ولأنه يجوز تأديبهما على القتل؛ فكان عمدهما عمداً؛ كالمكلف، وهذا هو الأصح في "الرافعي"، واختاره [القاضي] أبو الطيب.

قال: فتجب فيه دية مغلظة – أي: بالأنواع الثلاثة – كما تجب كذلك في مال المكلف [إذا تعمد القتل].

قال: والثاني: أنه خطأ؛ لما روي عن علي – كرم الله وجهه – أنه قال: "عَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأُ"، ولقوله – عليه الصلاة والسلام-: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ ... " الخبر المشهور.

قال القاضي أبو الطيب: وفيه دليلان:

أحدهما: أنه أخبر أن القلم رفع عنهما، ومن رفع عنه القلم لا يصح عمده.

والثاني: أنه قرنهما بالنائم، وقد ثبت أن النائم لو انقلب على صبي؛ فقتله – لم يجب عليه القصاص؛ لأن عمده لا يصح؛ كذلك الصبي والمجنون.

والقائل بالأول أجاب عن أثر عليّ بأنه لم يصح، وعن الخبر بوجهين:

أحدهما: أنا كذا نقول: إن القلم رفع عنه فيما يتعلق بعبادة الأبدان؛ ولهذا لا نوجب القصاص عليه.

والثاني: أن الاستدلال بالقرين لا يجوز؛ لأن اللفظ قد يتفق ويختلف المعنى، يدل عليه قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١]، وإيتاء الحق واجب، والأكل ليس بواجب. وكذا قول صفوان بن عسال: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَلاَّ نَنْزِعَ خِفَافَنَا إِذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ، أضوْ سَفَراً ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، ِإلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ، َلكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَولٍ وَنَومٍ قرن بين الغائط والبول والنوم، وإن كان النوم لا ينقض الوضوء على جميع الصفات، [والغائط والبول

<<  <  ج: ص:  >  >>