وقضى عمر - رضي الله] عنه- في المشجوج رأسه، حين ذهب عقله بها وسمعه، ولسانه وذكره، بأربع ديات.
ولأن العقل أشرف من حواس الجسد كلها؛ لامتيازه به من الحيوان البهيم، وفَرْقِه به بين الخير والشر، وتوصله به إلى [اجتلاب المنافع]، ودفع المضار، وتعلق التكليف به؛ فكان أحق بكمال الدية من جميع الحواس، ولا يجب فيه القصاص؛ لأمرين:
أحدهما: اختلاف الناس في محله؛ فطائفة تقول: محله الدماغ، وأخرى تقول: القلب، وأخرى تقول: مشترك بينهما، وإن كان الأصح من أقوالهم- كما قال الماوردي وأبو الطيب - الثاني؛ لقوله تعالى:{فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}[الحج: ٤٦] وقوله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} أي: عقل.
والثاني: تعذر استيفائه؛ لأنه يذهب بيسير الجناية، ولا يذهب بكثيرها، وهذا هو المشهور. وقد ذكرنا من قبل أن الإمام حكى تردداً للأصحاب في وجوبه.
ثم المراد بالعقل الذي تجب به الدية: العقل الغريزي الذي يتعلق به التكليف، وهو العلم بالمدركات الضرورية. فأما العقل المكتسب الذي هو حسن التقدير، وإصابة التدبير، ومعرفة حقائق الأمور - فلا دية فيه مع بقاء الغريزي، وفيه حكومة.
ومحل إيجاب الدية في العقل - عند المتولي - إذا قال أهل الخبرة: إن العارض الذي حدث لا يزول، أما إذا توقعوا الزوال فيتوقف: فإن مات قبل الاستقامة ففي الدية وجهان؛ كما إذا قلع سن مثغور، فمات قبل أن يعود، [والله أعلم].
قال: فإن نقص ما يعرف قدره؛ بأن يجن يوماً، ويفيق يوماً - وجب بقسطه، أي: من الدية؛ لإمكان ذلك.