قال: فإن ادعى من عليه زكاة أنه [دفع الزكاة] إليهم، قُبل قوله مع يمينه، أن الزكاة عبادة وجبت على سبيل المواساة، والمسلم في إيفاء العبادات [أمين].
قال: وقيل: يحلف مستحبًّا، وهو المختار في "المرشد"، وقيل: يحلف وجوباً، وتوجيههما مذكور في الزكاة.
وقال النواوي: الصواب حذف "الواو" من "وقيل" الأولى أو جعلها "فاء"، وقد سبق في الاصطدام مثله.
فإن قلنا بالثاني، وهو الأصح في "الجيلي" وعند النواوي، فإذا لم يحلف ألزمناه الزكاة، لا لنكوله؛ بل لأنها كانت واجبة عليه في الأصل، وقد ملك إسقاطها باليمين، فإذا لم يحلف رجعنا إلى الأصل، وفي "الجيلي" وجه: أنها لا تؤخذ منه.
قال: وإن ادعى من عليه جزية أنه دفعها إليهم لم يقبل قوله إلا ببيّنة؛ لأن الجزية على الكفار عوض عن المساكنة، فأشبه ما لو ادعى المستأجر دفع الأجرة لا يقبل قوله إلا بينة. وفي كتاب ابن كج وجه: أنه يُصدق كدافع الزكاة.
قال: وإن ادعى من عليه خراج أنه دفعه إليهم، أي: وهو مسلم، فقد قيل: يقبل قوله؛ لأن المسلم من أهل الائتمان؛ فقبل قوله كما في دفع الزكاة. قال النبدنيجي: وليس بشيء.
وقيل: لا يقبل؛ لأن الخراج [ثمن أو أجرة]، فلا يقبل قوله في الدفع، كالثمن في البيع والأجرة في الإجارة، وهذا أصح في "الرافعي" وغيره، وهو المختار في "المرشد".
أما لو كان من عليه الخراج كافراً، لم يقبل قوله كما في الجزية، صرح به الماوردي.
ولو ادّعى من عليه حد أنهم استوفوه منه، قُبِل قوله بلا يمين، وهذا ما حكاه الماوردي؛ لأنها مما تدرأ بالشبهات، وقيل: إن كان قد ثبت بإقراره قُبِل، وإن كان قد ثبت بالبينة: فإن ظهر أثر الضرب أو القطع قبل قوله، وإلا فلا، وهذا ما حكاه المتولي.