اجتهد رأيه في أحداهما، فإن طاوعته التي قاتلها أو انهزمت عنه عدل إلى الأخرى ولم يبدأها بقتال، إلا بعد استدعائها ثانياً إلى الطاعة؛ لأن انضمامها إليه كالأمان الذي يقطع حكم ما تقدم من الاستدعاء والجناية.
قال: ومن قصد قتل رجل أي: بغير حق، جاز للمقصود دفعه عن نفسه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"، [كذا أخرجه البخاري عن عكرمة مولى ابن عباس. وخرج أبو داود عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ أرِيدَ مَالُهُ بشغَيءرش حَقٍّ فَقَاتَلَ فَهُوَ شَهِيدٌ" وقال الترمذي: إنه حسن صحيح].
فلولا أن له قتاله ودفعه عن ماله لم يدرك به الشهادة، فإذا ثبت ذلك في المال ففي النفس من طريق الأولى؛ لأنه صلى الله عليه وسلم شبه حرمة المال بحرمة النفس، فقال:"حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ"، والمشبه دون المشبه به.
[وقد روى أبو داود عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، اَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ"، وأخرجه النسائي وابن ماجهن وقال الترمذي: إنه حسن صحيح].
ولا فرق في الدافع عن نفسه بين أن يكون مسلماً أو ذميًّا، ولا بين الحر والعبد، سواء كان قاصده سيده أو غيره.
ثم محل جوازه بالاتفاق إذا لم يكن للمطلوب ملجأ يلجأ إليه من حصن يغلقه عليه، أو هرب لا يمكن لحوقه فيه، أما إذا وجد ملجأ [فقد قال] الشافعي – رضي الله عنه – في كتاب الخراج: "له أن يثبت ويقاتل"، وقال في كتاب أهل البغي:"ليس له أن يقاتل، [بل] يلزمه أن يهرب". فاختلف