للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصحاب في ذلك: فخرجه بعضهم على قولين:

أحدهما: يجب الهرب؛ لأنه ضرب من الدفع وهو أسهل من غيره، وإذا قدر على الدفع بأدنى الأمور لم يعدل إلى أصعبها، وهذا ما قال الإمام قبيل باب ما له لبسه من كتاب صلاة الخوف: إن الظاهر عندي القطع به.

والثاني: له أن يثبت؛ لأن المقام في ذلك المكان مباح، فإذا جاء من يطلب منه ما لا يجب عليه، كان له الدفع بأدنى ما يندفع، ولا يلزمه الانتقال عن مكانه.

قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ: ومنهم من بنى الخلاف على وجوب الدفع، فإن قلنا: الدفع واجب، لزمه الهرب، وإلا فلا، [وعلى هذا جرى الإمام].

وقال آخرون: بل هو على اختلاف حالينن وحملوا الأول على ما إذا غلب على ظنه أنه [ينجو، والثاني على ما إذا غلب على ظنه أنه] لا ينجو بالهرب منه.

قال: وهل يجب [ذلك]؟ قيل: يجب؟ لقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥]، {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩]، وكما يجب على المضطر من الجوع إحياء نفسه بأكل ما يجده من الطعام، وهذا ما ادعى القاضي أبو الطيب أنه الذي قال به سائر الأصحاب، وأنه المشهور، وهو الأصح في "الجيلي".

وقيل: لا يجب، لقوله تعالى: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ} [المائدة:٢٨]، وهذا وإن كان في شرع من قبلنا، فقد ورد في شرعنا ما يقرره، روي عن حذيفة بن اليمان في الصحيح [-كما قال الإمام -] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [لمّا] وصف ما سيكون من الفتن، فقال حذيفة: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَوْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ [الزَّمضانُ]؟ فَقَالَ: ادْخُلْ بَيْتَكَ، وَأَخْمِلء ذِكْرَكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ لَو دَخَلَ بَيْتِي، فَقَالَ: إِذَا رَاعَكَ بَرِيقُ السَّيفِ فَاسْتُرْ وَجْهَكَ، وَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْمَقْتُولَن وَلاض تَكُنْ عَبْدَ اللهِ القَاتِلَ"، وفي بعض الألفاظ:

<<  <  ج: ص:  >  >>