أحدهما فاحشة- كما قال الماوردي – وجب عليه الدفع؛ لتحريم إباحة ذلك؛ لأن الحق لغيره، وليس [له] أن يجود بحق غيره.
وقد روي أن امرأة خرجت تحتطب، فتبعها رجل فراودها عن نفسها؛ فرمته بفهر فقتلته، فرُفع ذلك لعمر – رضي الله عنه – فقال: قتيل الله، والله لا نودي هذا ابداًز ولم يخالفه أحد؛ فكان إجماعاً، وهذا ما جزم به البغوي والمتولي، وشرطا في الوجوب: ألا يخاف على نفسه، وإليه أشار الغزالي وإمامه في كتاب السير، كما سنذكره ثَمَّ، إن شاء الله تعالى.
وفي "النهاية" في كتاب الخوف، ما يقتضي جريان الخلاف الذي ذكرناه في وجوب الدفع عن نفسه، والذب عن الحريم؛ فإنه قال بعد حكاية الخلاف في وجوب الدفع عن نفسه: والذب عن [دم] الغير وعن الُحرَم في كل ما ذكرتهن بمثابة ذب الإنسان عن دم نفسه. وكلامه الذي سنذكره من بعد مصرح به أيضاً، وقد حكاه من العراقيين: القاضي أبو الطيب في باب جامع السير، عند الكلام في لقاء الواحد ثلاثة من الكفار، [والماوردي جزم به في صلاة الخوف حين قال: وأما القتال المباح فقتال الرجل عن ماله وحريمه].
وقد احترز الشيخ بلفظة "من" في قوله: ومن قصد قتل رجل، عما إذا صالت عليه بهيمة؛ فإنه يجب عليه دفعها وجهاً واحداً، ولا يجري فيها الخلاف المذكور في الاستسلام، وقد صرّح به الماوردي والإمام وغيرهما.
تنبيه: ظاهر إطلاق الشيخ يقتضي أموراً:
أحدها: أنه لا فرق في القاصد من الآدميين لقتل الشخص بين الكافر والمسلم، والمكلف وغيره، إذا كان له تمييز، وهو في هذا الإطلاق متبع للعراقيين، إلا انه لا خلاف في أن القاصد إذا كان حربيًّا لا يجوز الاستسلام له، كما سيأتي في موضعه، وكذلك إذا كان مرتدًّا، وقد الحق بهما الإمام الذمين حيث قال في باب صول الفحل: والوجه القطع [بأنه] لا يجوز الاستسلام له، وإن كانت الذمة توجب حقن دمه؛ لانه بصياله ناقض عهده،