وإذا ثبت الخلاف كما ذكرنا في حق الجماعة الثانية فالمنفرد أولى، ولا يقال: إن الخلاف المذكور إنما جاء في الجماعة؛ لأن في كراهية إقامة جماعة بعد جماعة في مسجد له إمام راتب خلافاً؛ فلا جرم كان في استحباب الأذان الخلاف؛ لأنا نقول: لو كان كذلك، لكنا نقطع بأنه يؤذن إذا قلنا: لا تكره إقامة الجماعة الثانية.
وقد قال الرافعي: إن القولين جاريان، سواء قلنا: يكره إقامة جماعة ثانية فيه، أَوْ لا.
قلت: ولأجل هذا صور الغزالي مسألة الخلاف في أذان الجماعة الثانية: بما إذا كان المسجد مطروقاً؛ فإنك ستعرف أنه لا خلاف في عدم كراهية إقامة جماعة ثانية فيه، فكان فيما ذكره تنبيه على أنه لا [ينبني] على الخلاف في إقامة جماعة ثانية فيه هل يكره أم لا؟ وأن قول المنع في غير المطروق يكون من طريق الأولى.
وقال الرافعي: لعل الغزالي إنما فرض الخلاف في المسجد المطروق، وإن كانت رواية صاحب "التقريب" مطلقة؛ لأن إقامة جماعة بعد جماعة إنما تتفق غالباً في المساجد المطروقة.
ولو بلغ الغائب عن الموضع- الذي تقام فيه الصلاة- الأذان والإقامة فيه ولم يحضره، ورام فعل الصلاة في مكانه، فهل يكفيه أذان المؤذن وإقامته أم لا؟ فيه احتمالان حكاهما الإمام عن صاحب "التقريب"، وحكاهما البندنيجي قولين:
أحدهما- وعليه نص في القديم-: أنه يكفيه.
والثاني- وهو الذي نص عليه في "الأم"-: لا يكفيه؛ فيأتي بالأذان والإقامة.
قال الإمام: وليس أذانه إقامةَ الشعارِ الذي وصفناه؛ فإنه ليس بطلب دعاء جمع، وقد قام بالدعاء العام المرتبون له.
ثم الظاهر: أنه على هذا القول يستحب له رفع الصوت بالأذان؛ لفقد علة المنع فيه، ويأتي فيه ما سنذكره عن الإمام فيه من بعد.
ولو كان شخص منفرداً بنفسه في الصلاة، و [كان] ذلك في موضع لم ينته إليه صوت مؤذن، قال الإمام: فالظاهر من المذهب: أنه يؤذن ويقيم، وهو المنصوص عليه