الأمرين: إما العود إلى الأسر، وإما بذل المال، وقيل: هذا قول الشافعي – رضي الله عنه – في القديم، وهو بعيد لا أصل له، ولم أره في [غير]"تعليقه"، ولست أعده من المذهب.
وحكى الرافعي قبيل كتاب عقد الذمة: أن الأسير لو قال للكافر: أطلقني على كذا، ففعل، أو قال له الكافر: افد نفسك بكذا، ففعل – لزمه ما التزم، وأنه لو قال مسلم لكافر: أطلق أسيرك ولك علي ألف، فأطلق – يجب عليه الألف؛ كما لو قال: أعتق أم ولدك على كذا ففعل، وأنه لو فدى الأسير بمال من [غير] سؤال لا يرجع عليه، ولو كان بسؤال الأسير بشرط الرجوع فأجابه رجع، وكذا لو لم يشترط الرجوع على أصح الوجهين في "التهذيب".
قال: وعلى الإمام أن يدفع عنهم الأذية من جهة المسلمين، ولا يلزمه دفع الأذية عنهم من جهة أهل الحرب؛ لأن الهدنة عقدت معهم على الكف عنهم، لا على الحفظ لهم، وبهذا خالفوا أهل الذمة، وعبر الأصحاب عنه بأن عقد الذمة حق لهم على المسلمين؛ ولذلك يجب عند الطلب، وعقد الهدنة ليس بحق لهم بدليل عدم وجوبه عند الطلب، وإنما يفعله الإمام إذا كان فيه مصلحة للمسلمين؛ فكان لهم.
وفي تخصيص الشيخ عدم وجوب الدفع بأهل الحرب ما يفهم أن دفع أهل الذمة عنهم واجب كالمسلمين؛ لالتزامهم الأحكام، ودخولهم تحت قهر الإمام، وقد صرح به الأصحاب.
وأهل الهدنة [مع أهل الهدنة] كأهل الحرب معهم. نعم، يقال لهم: إن تناصفتم وإلا نبذنا إليكم عهدكم، ثم صرتم بعد بلوغ مأمنكم حربا؛ لما توجبه دار الإسلام من التناصف، كذا قاله الماوردي في كتاب السرقة.