للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[جمع القرآن بمعنى حفظه في الصدور]

كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه القرآن فيقرؤه على صاحبته على تؤدة وتهمل كي يحفظوا لفظه ويفقهوا معناه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد العناية بحفظ القرآن وتلقيه، حتى بلغ من شدة عنايته به وحرصه عليه أنه كان يستعجل حفظ القرآن خشية أن تفلت منه كلمة أو يضيع منه حرف، ومازال كذلك حتى طمأنه الله ووعده أن يحفظه له في صدره، قال الله تعالى: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه) سورة القيامة (١٦-١٩) .

وكان من عوامل حفظ القرآن وتثبيته في قلب النبي صلى الله عليه وسلم معارضته جبريل عليه السلام بالقرآن في رمضان من كل عام، حتى كان العام الذي توفي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فعارضه مرتين.أما الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كان كتاب الله في المحل الأول من عنايتهم، يتنافسون في استظهاره وحفظه ويتسابقون إلى مدارسته وتفهمه، ويتفاضلون بينهم على مقدار ما يحفظون منه.

وكانوا يهجرون لذة النوم ايثاراً للذة القيام به في الليل، والتلاوة له في الأسحار، والصلاة به والناس نيام، ومن هنا كان حفاظ القرآن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم جماً غفيراً، وهذا هو المعول عليه في كتاب الله عز وجل، الحفظ في الصدور، حفظه الرسول صلى الله عليه وسلم وحفظه الصحابة رضوان الله عليهم، ثم حفظه من بعدهم. يقول ابن الجزري رحمه الله: الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لاعلى خط المصاحف والكتب. وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة.

وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أتم حفظ القرآن الألوف من الصحابة، وبحسبك أن تعلم أن من قتل من القراء في موقعة اليمامة كانوا سبعمائة على ما قيل وعن الصحابة حفظه الألوف من التابعين، وهكذا تلقته طبقة عن طبقة بالحفظ والعناية والصيانة حتى وصل إلينا القرآن الكريم من غير زيادة ولا نقصان، ولا تحريف ولا تبديل، فكان تصديقاً لقول الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر (٩) .

<<  <   >  >>