وكنا نقول: إنه ملك في صورة إنسان. وقال الحافظ أبو بكر السمعاني في أماليه: أبو بكر القفال وحيد زمانه فقهًا، وحفظًا، وورعًا، وزهدًا، وله في المذهب من الآثار ما ليس لغيره من أهل عصره وطريقته المهذبة في مذهب الشافعي التي حملها عنه أصحابه أمتن طريقة، وأكثرها تحقيقًا. رحل إليه الفقهاء من البلاد وتخرج به أئمة. وذكر القاضي الحسين أن أبا بكر القفال كان في كثير من الأوقات يقع عليه البكاء في الدروس، ثم يرفع رأسه، ويقول: ما أغفلنا عما يراد بنا. وقال الشيخ أبو محمد: أخرج القفال يده فإذا على ظهر كفه آثار فقال: هذا من آثار عملي في ابتداء شبيبتي. وكان مصابًا بإحدى عينيه. توفي بمرو في جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وأربعمائة وعمره تسعون سنة. ومن تصانيفه "شرح التلخيص" وهو مجلدان، و"شرح الفروع" في مجلدة، وكتاب "الفتاوى" له في مجلدة ضخمة، كثيرة الفائدة.
٤ - محمد بن أحمد بن عبد الله، الشيخ الزاهد، أبو زيد، الفاشاني -بفاء وشين معجمة ونون- المروزي. ولد سنة إحدى وثلاثمائة. أخذ عن أبي إسحاق المروزي وجاور بمكة سبع سنين. قال الحاكم: كان أحد أئمة المسلمين، ومن أحفظ الناس لمذهب الشافعي، وأحسنهم نظرًا، وأزهدهم في الدنيا. سمعت أبا بكر البزاز يقول: عادلت الفقيه أبا زيد من نيسابور إلى مكة فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة. وقال الخطيب: حدث بصحيح البخاري عن الفربري، وأبو زيد أجل من روى ذلك الكتاب. وقال الشيخ أبو إسحاق: كان حافظًا للمذهب حسن النظر مشهورًا بالزهد، وعنه أخذ أبو بكر القفال المروزي وفقهاء مرو. وقال إمام الحرمين في النهاية في باب التيمم: إنه كان من أذكى الناس قريحة. توفي في رجب سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة. و"فاشان" قرية من قرى "مرو" خرج منها جماعة من العلماء. ويقال: باشان -بالباء الموحدة أيضًا-: قرية من قرى "هراة". و"قاشان" -بالقاف والشين المعجمة- مدينة قريبة من "هراة".
٥ - إبراهيم بن أحمد، أبو إسحاق المروزي. أحد أئمة المذهب، أخذ الفقه عن عبدان المروزي ثم عن ابن سريج والإِصطخري. وانتهت إليه رئاسة المذهب في زمانه، وصنف كتبًا كثيرة، وأقام ببغداد مدة طويلة، يفتي ويدرس وانتفع به أهلها وصاروا أئمة كابن أبي هريرة وأبي زيد المروزي وأبي حامد المروزي. قال العبادي: وهو الذي قعد في مجلس الشافعي بمصر سنة القرامطة، واجتمع الناس عليه، وضربوا إليه أكباد الإِبل، وسار في الآفاق من مجلسه سبعون إمامًا من أصحاب الشافعي. وقال الشيخ أبو إسحاق: انتهت