كان رحمه الله شيخ الإِسلام علمًا وعملًا، وورعًا، وزهدًا، وتصانيف، وتلاميذ، آمرًا على الملك الصالح بمصر فلمّا خرج قيل له: ألم تخف من إذائه لك؟ فقال: استحضرت عظمة الله تعالى فصار قدّامي أحقر من قط.
ولما بنى الملك الظاهر مدرسته بالقاهرة مسألة أن يكون مدرّسًا بها، فقال: إن معي تدريس الصالحية فلا أضيّق على غيري، فسأله أن يشرط في وقفها أن يكون لأولاده فقال: إن في هذا البلد من هو أحقّ منهم، فقال: لا بد أن يكون لهم فيها وظيفة بالشرط فأنكر، وقال: إن كان ولا بُدَّ، فكون الإمامة فشرطًا لهم، ولمّا كان مقيمًا بدمشق، كتب إليه سلطانها بالإغلاظ عليه في حادثة وقعت، فأجاب عن كتابه بكتاب غريب ذكر في آخره: وبعد هذا فإننا نزعم أننا من جملة حزب الله، وأنصار دينه وجنده، وكلّ جندي لا يخاطر بنفسه فليس بجندي.
وكان فيه مع ذلك حسن محاضرة بالنوادر والأشعار، ويحضر السَّماع، ويرخّص فيه.
ولد بدمشق سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وتوفي سنة ستين وستمائة وقد استندنا في عدِّ الشيخ من شيوخ مؤلفنا إلى ما وجدناه في هامش طبقات السبكي ونصه: جاء في هامش (ز) أمام الترجمة: "شرف الدين ابن التلمساني، أحد أئمة الكلام، قرأ على العز بن عبد السلام وابن الحاجب ... إلخ" وقد تقدم قريبًا ذكر هذا النص.
" التلامِيذُ"
أما تلاميذ إمامنا فهم بُحُورُ النور في ظلم الديجور قد استنوا بسنة أستاذهم، واقتدوا بعلم إمامهم فأخرجوا من الأصول فروعًا، وفجروا منها للعلم ينبوعًا، فما زالت بهم الشريعة في صُعُدِ والخديعة والبدعة في سبب. "وَمَنْ يُشَابِه أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ".
فرحمة الله عليهم جميعًا وعلى إمامهم البارع وعلى أشياخه وعلى أئمة المسلمين أجمعين آمين.
الأول: محمَّد بن الحسين بن عبد الرحمن الأنصاري الصالح الورع الزاهد الفقيه أبو الطاهر المحلي خطيب جامع مصر العتيق؛ وهو جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه.
قدِم من المَحَلةِ إلى مصر، وتفقّه بها على الشيخ تاج الدين محمَّد بن هبة الله الحَمَويّ، واخْتَصَّ بصُحْبتِه، وعلى أبي إسحاق العِراقِيّ، شارح "المهذب" وعلَى ابن زين