للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ الأَمْرُ يَقْتَضِي الإِجْزَاءَ؛ خِلافًا لأبَي هَاشِمٍ

وَالمُرادُ مِنْ كَوْنِ الْمَأْمُورِ [بِهِ] مُجْزِئًا: أَنَّهُ كَافٍ فِي الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ.

===

والمُكْرَهُ على قسمينِ:

مُكْرَهٌ انتهى الإكراهُ به إلى سَلْبِ الْقُدَرةِ والاختيار، فإذا لا نِزَاعَ بيننا ولن المعتزلة أَنْهُ غَيرُ مُكَلَّفٍ.

ومُكْرَهٌ له قُدْرَةً وإرادَةٌ، لَكِنَّهُ لم يُخَلَّ وَدَوَاعِيَهُ، فهذهِ مسألة النزاع.

واحتجَّ أصحابُنَا على جوازِ تكليفه بأنَّ الفعل مُمْكِنٌ، والفاعلَ مُتَمَكِّنٌ، وشَرْطُ الاستصلاح قد أبطلناه.

وألزم القاضِي المُعْتَزِلَةَ المكره على القتل؛ فإنه مَنْهِيٌ عنه بالإجماع.

قال الإمامُ: وهذه هفوة من القاضي؛ فإن المعتزلة تشترط في المأمور به. أن يكونَ بحال يُثَابٍ على فعله، وإذا أُكْرِهَ على عَينِ المَأْمُورِ بِهِ، فالإتيانُ بِهِ لِداعِي الإكراهِ، لا لداعي الشرع، فلا يُثَابُ عليه، بخلاف ما إذا أتى بنقيض المُكْرَهِ عليه لداعي الشرْعِ؛ فإِنَّه أبلغُ في إجابة داعي الشرع، وما ذكره الإمامُ حَقٌّ من هذا الوجه، ولم يورده القاضي على هذا المأخذ، إنما أورده على منعهم أَنَّ المُكْرَهَ قادِرٌ، فَبَيَّنَ أنه قادِرٌ بتكليفه بالضِّدِّ، وعندهم أن الله -تعالى- لا يُكَلِّفُ العبدَ إلَّا بعد خَلْقِ القُدْرَةِ له، وهي عندهم من الأعراض الباقية.

والقُدْرَةُ عندهم على الشَّيءِ قُدْرَةٌ على ضِدِّهِ، فإذا كان قادرًا على تَرْكِ القَتْلِ، فهو قادِرٌ على الفعل المُكرَهِ على عَينِهِ.

وقال الغزاليُّ: الآتي بالفعل مع الإكراهِ، إنْ أتى به لداعي الشَّرع - فهو صحيحِ.

وإنْ أتى به لداعي الإكراه فليس بصحيح، يعني كمن أُكرِهَ على أداءِ الزكاةِ، فَأدَّاهَا.

قال بعضُ المتأخرين: وهذا الذي ذكره إنما هو في العباداتِ المُشتَرَطِ فيها النِّيَّةُ.

أَمَّا مَا لا يُشْتَرَطُ فيه النيةُ، كَمَنْ يجبُ عليه رَدُّ المغصوباتِ، والودائعِ، وتسليمُ المَبِيع وحَبْسُ المُعْتَدَّةِ - فالمقصودُ منه واقع، قُصِدَ أو لم يُقْصَدْ، فيخرجُ عن عُهْدَة التكليف به مع الإكراه.

وَبَحْثُ صاحبِ الكتابِ في هذه المسألة حَائِدٌ عن مأخذ الفريقين جِدًّا، والله أعلم.

[قوله: المسألة الخامسة عشرة]:

"الأَمْرُ يَقْتَضِي الإجْزَاءَ، خلافًا لأبي هَاشِمٍ، والمرادُ من كون المَأْمُورِ مُجْزيًا: أنه كَافٍ في الخروج عن العُهْدَةِ".

تفسيرُ الإجزاءِ: بأنه الكَافِي في الخُرُوج عَن العُهْدَةِ -يعني به عُهْدَةَ الأمرِ، وهذا مَذْهَبُ المتكلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>