وَالدَّلِيلُ عَلَيهِ: أَن بَعْدَ الإِتْيَانِ بِالْمَأمُورِ بِهِ، لَوْ بَقِيَ الأمْرُ -لَبَقِيَ: إِمَّا مُتَنَاولًا لِذلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي الْوُجُودِ؛ وَهُوَ مُحَالٌ؛ لأَنَّ عَلَى هذَا التَّقْدِيرِ: كَانَ ذلِكَ الأَمْرُ مُتَنَاولًا لِطَلَبِ ذلِكَ الْفِعْلِ مَرَّتَينِ؛ فَلَا يَكُونُ الإِتْيَانُ بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً إِتْيَانًا بِتَمَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَقَدْ فَرَضنَاهُ كَذلِكَ؛ هذَا خُلْفٌ.
===
ومذهبُ الفقهاءِ: أنه الأَدَاءُ الكافِي في إِسْقَاطِ القَضَاءِ.
والخلاف فيه مَبْنِيٌّ على أَنَّ القضاءَ؛ حيثُ شرع استدراكًا للفائت، هل هو من مُقْتَضَيَاتِ الأمر الأول، أو بأمر جديد؟ :
فالمتكلمونَ يَعْتَقِدُونَ: أنه بأمرٍ جديد، فَحَدُّوا الإِجْزَاءَ بما ذُكِرَ.
والفُقَهَاءُ يزعمون أنه من مقتضيات الأمر الأَوْلِ، فأضافوا إلى الإتيانِ بالمأمور به إسقاطَ القضاءِ.
قوله: "والدليل عليه أنه بعد الإتيان بالمأمور به": يعني: بما أَشْعَرَ اللَّفْظُ به.
قوله: "لو بقي الأَمْرُ لبقي إما: مُتَنَاولًا لطلب ذلك الفعل .. " إلى آخره، يعني: إمَّا أَنْ يكون متناولًا للمأتِيَّ به، أو غيرِهِ، والأَوَّلُ: طَلَبُ تحصيلِ الحاصلِ، والثَّاني: خلاف الفرض؛ إذِ التقدير: أنه أتى جميعِ ما أَشْعَرَ اللَّفْظُ به.
واحتجَّ الفقهاءُ: بأنَّ امتثال المأمورِ به، لو كان مُقتَضِيًا للإجْزَاءِ؛ لَمَا أُمِرَ مَنْ عَدِمَ الماءَ والتُّرابَ، وصَلَّى على حسب حالِهِ -بالقضاءِ؛ وكذا مَنْ ظَنَّ أنهُ مُتَطَهَّرٌ وصَلَّى على حَسَبِ حاله، ثُمَّ تَبَيَّنَ الحَدَثَ، وكذا مَن أَفْسَدَ حجَّهُ بالمُضِيِّ في فاسِدِهِ، أو صَوْمَهُ بِإِمْسَاكِ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ وجوبَ القضاءِ في مسألة العازِم بأمر جديدٍ، وأَمَّا مَنْ ظَنَّ أنه مُتَطَهِّرٌ، فَإِمَّا [أن] يَعْتَقِد أَنَّ كُلَّ مجتهدٍ مصيبٌ أو لا: فإن اعتقدَ أن كل مجتهد مصيب، فقد خرج عن عهدة الأمر بما فعله أولًا، وهذا أمر ثانٍ بالقضاء، وَإِن اعتقد أنه واحِدٌ فالخطابُ بصلاةٍ بطهارَةٍ باقٍ في ذِمَّتِهِ، ولم يأتِ به، والخطابُ الأَوَّلُ: كان بحسب حالِهِ.
ومن أفسد حجَّهُ، أو صَوْمَهُ، فَالأَمْرُ الأَوَّلُ باقٍ عليه، والأمرُ بالمُضِيِّ فيه أَمْرٌ ثانٍ؛ مُعَاقَبَةً له، أو تشبهًا بالصائمين لِحُرْمَةِ الوقت، وهو مُمْتَثِلٌ للأمر الثاني.
قوله: "حجة المخالف: أَنَّ النهي إذا كان لا يَدُلُّ على الفسادِ، فكذلك الأمر لا يَدُلُّ على الإجزاءِ".
وَوَجْهُ الملازمة: أَن كُلَّ مُخزِئٍ صحيح، والصحيمُ نَقِيضُ الفاسِدِ؛ فالمجزئُ نقيضُ الفاسد.
فإذا كان المُجْزِئُ عِبَارَةً عن المُوَافِقِ لِلطَّلَبِ -كان الفاسِدُ هو المُخَالِف له، فإذا لم تَسْتَلْزِمِ المخالفَةُ الفسادَ، وجب أَلَّا تستلزمَ الموافقةُ الصِّحَّةَ والإِجْزَاءَ.