للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ

الكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ؛ بِمَعْنَى: أَنَّهُمْ كَمَا يُعَاقَبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى تَرْكِ الإِيمَانِ؛ فَكَذلِكَ يُعَاقَبُونَ -أَيضًا- عَلَى عَدَمِ إِتْيَانِهِمْ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ.

===

وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١٠٤]، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية بالإجماع؛ وكذلك قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: ١٢٢] وغيرِ ذلك.

وقال قوم: معنى فرض الكفاية توجُّهُ الخطاب على كُلِّ واحد، وسقوطُهُ بفعل البعض، وبهذا فارق المعين.

واحتجوا: بأنه لو لم يكن الخطاب لكل واحد- لما عصى بالتركِ كُلُّ واحد.

وعُورِضُوا: بأنه لو كان الخطابُ لكل واحد لما سَقَطَ بفعل البعض، فبهذا فارق المعين.

وأُجِيبَ: بأنه لا يُعَدُّ في سقوط الخطاب به غير الامتثالِ، كما يسقط بالنسخ والعجز، والسرُّ في سقوطه: أنهم إذا أُمِرُوا بغسل ميت، وتكفينه مثلًا، وفَعَلَ ذلك البعضُ- فقد حصل المطلوب، فبقاءُ الطلب على الباقين يكون تحصيل الحاصل؛ وهو محال.

واحتج الأولون: بأنه إذا صَحَّ الأمرُ بغير المعين، فليصح أمر غير المعين.

وفَرقَ الآخرون: بأن تَعَلُّقَ الأمر بالمأمور به راجع إلى الذكر، وأقول: ولا مانعَ من تعلقهما بالمطلق المُبْهَمِ، ويخرج عن عهدته بالمعين؛ لاشتماله عليه.

وأمَّا المأمور به فلازمه لُحُوقُ العقابِ، أو اللوم على تركه، وَيَمْتَنِعُ تَعَلُّقُهُمَا بغير المعين، وهو كخلق البياض، أو السواد في محل غير معين.

قالوا: فظاهر الخطاب في الآية دَالٌّ على ما ذكرنا.

أُجِيبوا: بأن ما ذكرناه قطعيٌّ، وما ذكرتموه ظنيٌّ، فيتعين تأويلُه؛ جمعًا بين الأدلة.

وزاد المصنف فقال: والتكليف به مَنُوطٌ بغلبة الظن، فَإِنْ غلب على ظن البعض أن البعض الآخر أتى به- سقط عن الجميع.

وهذا ضعيف؛ فإنه يُؤَدِّي إلى التواكل، وتضييع الواجب، ولا شك أنه يكفي في التوجه وُرُودُ الخطاب، وإنما البحث في المسقط، والأمر فيه منقسم، فما يُتَصَوَّرُ العلمُ بحصوله، كَمَيِّتٍ حاضر، خُوطِبَ بتغسيله وتكفينه ودفنه- فلا يسقطُ إلَّا بالعلم بالامتثال.

وما يتقرر العلم به يكفي في إسقاطه الظن، كما في قيام طائفة بالجهاد لإعلاء كلمة الدين.

[المسألة العاشرة]

اختلف الأصوليون في هذه المسألة على ثلاثة أَقوال:

فذهب الأَشعريُّ، والقاضي، وأكثرُ أصحاب الشافعيِّ -رحمه الله تعالى- إلى أنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>