للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْوُجُوبِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الإِخْلالُ بِجَمِيعِهَا، وَلَا يَجِبُ الإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا، وَالأَمْرُ فِي اخْتِيَارِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، كَانَ مُفَوَّضًا إِلَى رَأْي الْمُكَلَّفِ-: فَكَذَا هَهُنَا: لَا يَجوزُ لِلْمُكَلَّفِ إِخْلاءُ جَمِيعِ أجْزَاءِ الْوَقْتِ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيهِ إِيقَاعُهُ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ هَذَا الْوَقْتِ، وَيَجُوزُ لَهُ إِيقَاعُهُ فِي أَيِّ جُزْءٍ كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ هذَا الْوَقْتِ بَدَلًا عَنِ الآخَرِ، ثُمَّ إِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا مِقْدَارُ مَا يَكُونُ مُسَاويًا لِلْفِعْلِ- يُضَيَّقُ التَّكْلِيفُ؛ فَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي هَذَا البَابِ؛ وَبِهِ تَزُولُ جَمِيعُ الإِشْكَالاتِ.

===

وأُورِدَ عليه: أَنَّ في اشتراط سلامة العاقبة رَبْطَ التكليف بلَبْسٍ وَعَمَايَةٍ.

وأُجِيبَ عنه: بأن التكليفَ مُتَحَتَّمٌ، والمشروطَ بسلامة العاقبة جوازُ التأخير، والجواز ليس من التكليف؛ وهو كما أُبِيحَ للإمامِ، والمُؤَدِّبِ، والزوجِ- التأديبُ؛ بشرط سلامة العاقبة.

والمنقولُ في الصلاة: لا يعصى على أَصَحِّ الوجهين، وفي الحج: أنه يَعْصِي على أصح الوجهين؛ لعِظم الخطر بطول الزمان.

فرع: إِذا غَلَبَ على ظَنِّهِ أنه لو لم يفعل لفات فَأَخَّرَ- عَصى بالإجماع. فإنْ بقي وأتى به يُعَدُّ ذلك الوقتُ في وقتِ التوسعة، فهل يكونُ قضاءً أو أداءً؟

قال القاضي: يكون قضاءً؛ لأنه أَخَّرَهُ عن الوقت المعين له.

وقال الغزالي، والأكثرون: يكون أداء، والظن الكاذب لا أثرَ له، وعصيانه بالتأخر لا يخرجُه عن كونه وقتًا له، كما غلب على ظنه دخولُ الوقت المعين له، وأخره ثم تبين بقاء الوقت؛ فإنه يكون أداء بالإجماع.

وقد تقدم: أنَّ الوجوب ينقسم بالنسبة إلى المأمور به إلى مُعَيَّنٍ ومُخَيَّر، وبالنسبة إلى وقته إلى مضيق ومُوَسَّعٍ، وبالنسبة إلى المأمورين به إلى عَينٍ وكفاية، وقد مَرَّ البحثُ في القسمين الأولين.

وبقي البحث في الثالث، وهو الواجب على الكفاية ولم يذكره والحاجة ماسَّةٌ إلى تعيينه ولا شك أن الخطاب المتوجه على الجميع تارةً يتوجَّه على كُلِّ واحد، وتارة لا يتوجه على كل واحد.

والأول ينقسم إلى: ما يكون فعلُ البعض شرطًا في فعل الآخر، كصلاة الجمعة، وإلى ما [لا] يكون كذلك، كالصلوات الخمس.

والثاني: وهو المتوجه على الكل لا باعتبار كل واحد.

قال المصنف وجماعة: هو فرض الكفاية، ومثلوه بقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>